Sunday, July 29, 2012

من الذى سرق زهرة الخشخاش ؟


كشفت عملية سرقة لوحة زهرة الخشخاش مدى إستشراء الاهمال والتسيب والمظهرية التى تعانى منها مؤسسات وزارة الثقافة وكشفت التحقيقات التى قام بها النائب العام شخصيا مدى فى إدارات المتاحف المنوط بها الحفاظ على ثروات الوطن الفنية ...أخطر ما كشفت عنه زهرة الخشخاش هو تفرغ أغلب القيادات للظهور فى وسائل الإعلام وشاشات الفضائيات متحدثين عن الإنجازات المسبوقة عبر ثقافة التى تحقق نظرية ثقافة الصهللة الشكلانية - بينما السوس ينخر فى البنية التحتية والعنكبوت ينسج خيوطه عليها - وراء الديكور البراق ..مؤكدين للمواطن الغلبان .. انهم يخططون وفق أحداث النظم العلمية لتقديم أفضل خدمة ثقافية!!!! والحقيقة انهم لا هم لهم الا التشبث بالكرسى حتى آخر رمق ... وإخفاء عورات المؤسسة عن الاعين خلف ديكور المهرجانات البراق.

لقد فضح «سارق» زهرة الخشخاش «المؤسسة الثقافية» وعري بؤسها وركاكتها، وأسقط من علي وجهها الأقنعة، وعراها حتي من ورقة التوت.. ولكن من هو هذا السارق؟! ولماذا سرقها؟! ولماذا سرق زهرة الخشخاش بالذات رغم أن بالمتحف لوحات أهم وأغلي سعراً؟! السؤال الأهم لماذا سرق «السارق» لوحة لن يستطيع بيعها. فمبجرد سرقتها علمت متاحف وصالات المزادات بالعالم بالسرقة، ولن يقتنيها أي هاوِ للفنون، لأنه ببساطة لن يستطيع عرضها في العلن، وستظل مخفية إلي الأبد، لأن ظهورها حتي لو بعد مائة عام يعني إعادتها إلي مصر!! فلماذا إذن سُرقت زهرة الخشخاش؟!

المؤكد أن «السارق» سرقها لهدف آخر غير بيعها؟! لذا لابد أن تكون اللوحة مشهورة، خاصة وأنها سرقت من قبل، وعادت في إطار تسوية سياسية أمنية مع الدولة التي كانت موجودة بها اللوحة، بل إن الناس شهدوا فيلماً مصرياً قام بناؤه الدرامي علي سرقة نفس اللوحة، وصورت أحداثه في نفس المتحف.. أي أن اللوحة سرقت لشهرتها، وليس لقيمتها الفنية أو المادية- خاصة أنها لن تباع- فلماذا إذن سرقت؟! يتردد في الأوساط الثقافية الآن- وهذا الكلام ليس من قبيل الشائعات، أن صراعاً محتدماً يزداد بين وزراء الحرس القديم، ونجوم الحزب الجدد، وأن عددًا من نجوم رجال الأعمال المتحكمين في الحزب لا يريدون استمرار فاروق حسني وزيراً للثقافة، وسبق أن مولوا حملات إعلامية ضده في مناسبات عديدة، ويري أصحاب هذا الرأي أن بعض الكبار أراد فضح «سياسات فاروق حسني» وإقصاءه فتم التخطيط بدقة بمساعدة بعض موظفي المتحف لسرقة اللوحة.. وإخراج وزير الثقافة بفضيحة «عالمية» مدوية.. أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن العملية محلية.. في إطار حرب تكسير العظام بين الكبار في الحزب وإلا لماذا يسرق «سارق» لوحة لن يستطيع بيعها؟! وبالتالي يرون أن محسن شعلان سيذهب ضحية صراع الكبار!! فهل ستذهب أيضاً كنوزنا الفنية ضحية هذا الصراع؟!


البعض الآخر يري أن العملية «عالمية» رتبتها «المافيا» لصالح التيارات «المتطرفة العنصرية» في هولندا، والتي تتنامي بقوة وتدعو علانية لطرد العرب «الهولنديين» من البلاد، بل وتطالب بإغلاق باب الجنسية أمام المسلمين بشكل عام، ويقول أصحاب هذا الرأي، وأغلبهم يعيش في أوروبا ويعانون من «العنصرية الجديدة» في فرنسا والدنمارك وهولندا وسويسرا، أن عملية السرقة تقوم علي مفهوم استرداد المقتنيات الهولندية من «العرب» لأنهم لا يستحقونها ولا يعرفون كيفية الحفاظ عليها.. أي أن عملية سرقة «زهرة الخشخاش» عملية عقابية عنصرية محضة.. لأن اللوحة لن تباع ولن يجرؤ سارقها علي عرضها للبيع..


أياً كان سبب السرقة؟! فالثابت أن المتحف لم يكن مؤمناً «إلكترونياً- وبشرياً» ضد السرقة شأنه شأن جميع المتاحف التابعة لوزارة الثقافة، وهو الأمر الذي كشفناه مراراً وتكراراً علي صفحات «صوت العرب» و«الموقف العربي»، وكشفه زملاء لنا في صحف عديدة، ولم نتلق من المسئولين غير دفاعات هزيلة، واتهامات كثيرة بأننا مغرضون وهدامون، ولا نري إلا الجانب الأسود من انجازاتهم «العظيمة». وعندما أقول «جميع المتاحف» فأنا أعني ما أقول.. فالكل يذكر سرقة القطع الأثرية النادرة من «المتحف المصري» عبر عمال الصيانة والتي سرعان ما ابتلعتها «الآلة الإعلامية» الضخمة التي تمتلكها وزارة الثقافة.. ثم تلتها سرقة لوحات قصر محمد علي والتي عادت بطريقة «غريبة مشكوك فيها» بل جميعنا يذكر سرقة لوحات حامد ندا من الأوبرا وكيف أعادها الشاري بعد أن اكتشف أنها مسروقة رغم أنها كانت خارج البلاد، ولكن لأنه مصري نبيل كشف عن شرائه لها.. وتحمل القيل والقال وأعادها إلي مكانها.. ورغم موقفه المحترم فإن كاتب هذه السطور نبه أيامها إلي انهيار نظام التأمين الإلكتروني والبشري بل لقد انفردت «الموقف العربي» أيامها بأن الأوبرا لا تملك «صوراً» ولا أرشيفاً للوحاتها ومقتنياتها المهمة!!!


بقلم  أسامة عفيفى
جريدة الموقف العربى - القاهرة 31 أغسطس 2010





كذلك مازال مصير «40» لوحة من مقتنيات متحف الفن الحديث أعيرت في السبعينات لمستشفي العجوزة «مجهولاً» ورغم أن كاتب هذه السطور قدم قائمة بأسماء اللوحات وصورة من تحقيقات النيابة الادارية بشأن «فقدانها» إلي إدارة قطاع الفنون التشيكلية لكن لا علم لنا حتي الآن بمصير هذه التحقيقات أو اللوحات!! ومازال مصير لوحة إنسان السد العالي للجزار غامضًا حتي كتابة هذه السطور هذا كله وغيره كثير كان معروفًا لدينا.. ولدي الرأي العام الثقافي ونبهنا ونبه غيرنا لخطورته لكن سرقة زهرة الخشخاش كشفته وسلطت الضوء عليه، وفضحت الركاكة والفساد والمظهرية الكاذبة لأداء كثير من قيادات وزارة الثقافة..





الأمر المثير الذي انفردت به «الموقف العربي» العدد الماضي، هو إلغاء التعامل مع شركة الصيانة التي كانت تقوم بإصلاح الأعطال بالأمر المباشر حين حدوثها، لقد قيل إن السبب هو أنها تتقاضي أموالاً طائلة في حين أن هذه الشركة تقاضت حوالي 135 ألف جنيه فقط في عملية اصلاح نظام التأمين الالكتروني لمتحف محمود خليل عام 2004 وكانت تقوم بإصلاح الأعطال عند حدوثها «بالأمر المباشر» وهي من صلاحيات رئيس القطاع ولا تحتاج إلي صلاحيات الوزير التي كانت ممنوحة له!! فلماذا إذن توقف التعامل مع هذه الشركة ولماذا لم يدرج تطوير متحف محمد محمود خليل » في موازنات القطاع لمدة 4 سنوات كما جاء في أقوال السيدة ألفت الجندي رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية أمام النيابة، بل إن المفاجأة الكبري التي فجرتها السيدة ألفت، أن القطاع تلقي 40 مليونا لتطوير وانشاء المتاحف صرفت بالكامل علي متحفي «سراي الجزيرة» وحسين صبحي بالاسكندرية ولم يخصص مليمًا واحدًا لمتحف محمود خليل رغم حاجته الماسة لتطوير وإصلاح نظام الأمن الالكتروني..





جاء أيضًا في أقوال السيدة ألفت أن «مليونًا» من الجنيهات صرفت علي تطوير مكاتب إدارية لأحد المتاحف ولما اعترضت لدي رئيس القطاع وقالت له إن متحف محمود خليل أولي أمرها بتنفيذ الصرف لصالح المكاتب الإدارية!! لسنا جهة اتهام، فالأمر بين يدي النيابة العامة ولكننا نقرأ الأحداث، ولا نتهم أحدًا ونحاول أن نكشف للقارئ ما انكشف بسرقة زهرة الخشخاش.. والحقيقة أنه كثير..بل وكثير جدًا.. الخطير هو عدم تأهيل العنصر البشري لحماية تراثنا وكنوزنا الفنية، وهو العنصر الأساسي سواء كان التأمين الالكتروني موجودًا أم غير موجود فلو أن حارسًا واحدًا كان موجودًا بجوار اللوحة، ما سرقت، ولو كان نظام تفتيش الزائرين موجودًا ما حدث ما حدث، فضلاً عن قلة الحراس، وعدم كفاءة أغلبهم وجهلهم بما يحرسون وأهميته.





السؤال الأهم هو لماذا شيدنا هذه المتاحف؟! ولماذا ندفع فيها من أموال دافعي الضرائب الملايين؟! إن نظرة عابرة علي عدد زوار أي متحف منهم باستثناء المتحف المصري والقبطي سنكتشف أنه لا يتجاوز عدد أصابع اليدين أين إدارات «الثقافة المتحفية» ودورها في تنشيط الزيارات المتحفية، أين رحلات المدارس والجامعات والجمعيات الأهلية، ماذا فعل قطاع الفنون التشكيلية للترويج لمتاحفه ومقتنياتها المهمة؟! فلو كان بالمتحف جمهور وزائرون ما سرقت اللوحة، فضلاً عن أن كثيرا من مواطني هذا البلد الطيب لم يعرفوا أن مصر تمتلك لوحة زهرة الخشخاش إلا بعد أن أعلن عن سرقتها!!





والسبب الوحيد هو أن المؤسسة الثقافية الرسمية لا تهتم إلا بالبروبوجاندا والاحتفاليات، ولا تهتم بالمعرض ولا ذاكرة الوطن المهم أن يتسلم موظف العهدة محتويات المتحف صباحًا ويسلمها للأمن المسائي «علي الورق» سليمة كاملة!! المتاحف هي ذاكرة الشعوب الثقافية، ودورها أهم من دور المدرسة بل مكمل لها وأذكر أن مدرِّسة التاريخ كانت هي التي تصحبنا في رحلات المدرسة إلي المتاحف «المصري والقبطي والاسلامي» لتشرح لنا ما نراه، هذا الدور غاب ومازال غائبًا، فتحولت المتاحف إلي مخازن عهدة، وأهملت فسرقت.. إن المسئول الأول والأخير عن سرقة زهرة الخشخاش هو منظومة السياسات الثقافية المظهرية» التي أخفت عورات المؤسسة خلف «ديكوات براقة زائفة» القضية الآن ليست «زهرة الخشخاش» وسارقها وهدفه وهويته كما أنها ليست قضية المسئول الاداري الذي سيحاسب جنائيا.. ولكنها قضية مستقبل هذه السياسات العقيمة التي تقف حائلاً دون تقدمنا الثقافي وتدمر كنوزنا الثقافية الواحدة بعد الأخري فهل نقف في وجه هذه السياسات؟! أتمني

رؤيا - القبطية تراث وطني

جاء في وقته تمامًا، ليعيد الأمور إلي نصابها ويكشف بنور العلم الطريق للمستقبل وسط ظلام الفتنة البغيضة الجاهلة .. جاء ليعلن أن في مصر علماء عقلاء يتدخلون بما يعلمون لمحاصرة الجهلاء من المتعصبين الذين لا يجيدون غير إشعال الحرائق بجهلهم الذي لا يصب إلا في خانة أعداء الوطن.

لذلك أحسست بسعادة غامرة وأنا أتابع جلسات مؤتمر 'الحياة في مصر خلال العصر القبطي' الذي نظمته مكتبة الإسكندرية الأسبوع الماضي والذي أكد ان 'العصر القبطي' هو ملك للمصريين جميعًا مسلمين ومسيحيينوأن القبطية تراث وطني ليس ملكًا لطائفة أو عقيدة بعينها وتعود أهمية هذا المؤتمر إلي أنه أول مؤتمر علمي للقبطيات يعقد في مصر خارج نطاق الكنائس والأديرة - كما قال د.لؤي محمود سعيد منسق عام المؤتمر -

وهذا يعني ان المؤسسة العلمية المصرية العريقة قد بدأت تقوم بدورها العلمي الوطني تجاه حقبة هامة من تاريخ الوطن لتدرس بمنهج علمي لا يخضع لأي مؤثرات وجدانية أو عاطفية.ولقد شارك في المؤتمر علماء من مختلف الجنسيات وباحثون مصريون مسلمون ومسيحيون، فضلاً عن مشاركة رموز الكنيسة المصرية وعلمائها المتخصصين في هذه الدراسات اللغوية والتاريخية، فظهر المؤتمر في النهاية كمعزوفة علمية وطنية ترد بقوة علي دعاة الفتنة فلقد استطاع الباحثون ابراز دور الإنسان المصري في العصر القبطي في بناء حضارة الوطن في محاولة لوضعه في مكانه الطبيعي من ذاكرة الوطن ..

وهو الأمر الذي أكده د.عبدالحليم نور الدين في كلمته الافتتاحية، كما أعلن د.خالد عزب مدير مركز المخطوطات ان هذا المؤتمر بداية للاهتمام بالدراسات القبطية في إطار مخطط علمي وطني واسع وضعته المكتبة .. ولعل أهم التوصيات ما أوصي به د.لؤي محمود سعيد في كلمته بضرورة إنشاء هيئة علمية عليا للدراسات القبطية تقوم علي التنسيق بين الهيئات المعنية بهذه الدراسات .. ورغم تفاوت مستوي الأبحاث العلمية فإن أغلبها أكد ان مصطلح 'قبطي' يعني - لغويًا - 'مصري' وأن 'الكتابة القبطية' التي ظهرت منذ ما قبل قدوم المسيحية هي إحدي مراحل 'كتابة' اللغة المصرية القديمة .. ومن أهم البحوث تلك التي ناقشت 'الفن القبطي' كإحدي مراحل الفن المصري القديم، وتأثره بالفنون البطلمية والبيزنطية وأثره في الفنون البيزنطية فيما بعد خاصة في 'فن الأيقونات' الذي يعتبر فنًا مصريًا خالصًا .. سبق به فنانو مصر فناني أوربا ..

هذا بالإضافة إلي المؤثرات المتبادلة بين الفنون الإسلامية والقبطية خاصة في الفنون الشعبية.المؤتمر بشكل عام انجاز علمي وطني جاء في موعده ليعلن ان 'القبطية' هي المصرية .. وان 'الأقباط' هم سكان مصر من المسلمين والمسيحيين وان 'العصر القبطي' ملك للمصريين جميعًا وجزء لا يتجزاء من ميراث مصر الحضاري.تحية لكل من أسهم في انجاز هذا المؤتمر العلمي الوطني.


بقلم أسامة عفيفى
جريدة الاسبوع فى 1 أكتوبر 2010

رؤيا - في الزمزمية سم قاتل!!

ما أن جلست في المقهي، حتي صاح في وجهي: 'أنا أحملك المسئولية كاملة، أنت صاحب قلم ولابد أن تنبه الناس' ابتسمت وقلت بهدوء! ما الجديد؟! قال بحدة: 'ليس جديداً، إنه قديم جديد فكل عام ومع بداية العام الدراسي نصرخ وننبه ولا يستجيب مخلوق، انهم يقتلون أطفالنا عمداً ومع سبق الإصرار والترصد.. باختراع اسمه 'الزمزية' وهي في الأصل 'قنبلة سموم موقوتة' معلقة في أعناق اطفالنا تنقل السم والأمراض إلي جسدهم وهم لا يعلمون. ولأنني أعرف كيف أتعامل مع ثورة صديقي الكميائي النابه.. الذي يعمل في صمت مع كوكبة من العلماء والخبراء في بحوث علمية غاية في الأهمية دون أن يلتفت إليهم أحد..

قلت له: إشرح لي يا صديقي وأنا سأكتب ما تقول.. وانطلق يشرح بحماس للأصدقاء حجم الكارثة.. وبصوته المبحوح قال: 'الأطفال الآن ياسادة لا يذهبون إلي مدارسهم بالحقيبة المدرسية فقط، بل لابد من وجود 'زمزمية' يعلقها الطفل في عنقه ليشرب منها إذا عطش، والزمزية 'الحقيقية' المعتمدة ـ دوليا ـ عبارة عن جسم زجاجي من الداخل محكم الإغلاق مغلق من الخارج باللباد أو الفلين أو البلاستيك فائق الجودة ليحتفظ ببرودة السائل المحفوظ، لكن هذا النوع 'المعتمد' لا يستطيع الحصول عليه كل الناس، لأنه غالي الثمن..

إنه حكر علي أبناء الصفوة فقط، اما باقي البشر من المصريين فيشترون لأولادهم من باعة الأرصفة 'زمزمية أخري' من البلاستيك الخالص اي غير مطابقة للمواصفات، الأخطر هو أن هذه الزمزميات مصنوعة من بقايا نفايات البلاستيك، وبقايا نفايات المستشفيات البلاستيكية، كخراطيم الدم والسرنجات، وخراطيم الأكسوجين، حيث يقوم متعهدو اعدام النفايات بنقلها من المستشفيات الي هذه المصانع لتقوم بتدويرها وتصنع منها شفاطات العصير، والملاعق البلاستيك، وعلب الكشري والفول، وتصنع كميات هائلة من 'الزمزميات الملونة' مع بداية العام الدراسي تباع جهاراً نهاراً علي الأرصفة دون رقيب أو محاسب، رغم ان الجميع يعلم انها تسبب أمراض الكبد الوبائي، والفشل الكلوي والسرطان هذه الأمراض الخطيرة تنتقل الي جسد الأطفال الأبرياء مع كل جرعة ماء يشربونها من هذه الزمزميات وهم سعداء بامتلاك 'زمزمية' شأنهم شأن 'أولاد الناس' وهنا طفرت من عينيه الدموع، وقال لي بصوت متهدج: من فضلك اكتب 'في الزمزمية سم قاتل!!' كررها عدة مرات..

تركت المقهي وصوته المتهدج الحزين يرن في أذني، ويعتصر قلبي عصراً.. ووجدتني أتمتم بيني وبين نفسي: في الزمزمية سم قاتل!! في الزمزمية سم قاتل في الزمزمية


بقلم أسامة عفيفى
جريدة الاسبوع 20-9-2010

من اللغوي الي البصري .... الشهاوي يضع الشطة في علبة السكر بالمعرض العام


وضع القلم جانبا .. و امسك بالفرشاه و راح يلعب .. او يلهو .. او يتامل السطح الابيض محاولا ان يرسم ملامح قصيدة مستحيله ، او مغايرة ؛ قصيدة مرئيه منطلقه و منعتقه من اسر " الدلالات " و " سطوة " المنطقية اللغويه الصارمه .



فمهما حاول الشاعر ان " ينعتق " من اسر " الدلاله " اللغوية ، يظل اسيرا للقالب " الارسطي " لفلسفة اللغة و منطقها " الصوري " ، " الميكانيكي " المتراتب عبر تاريخ اللغة .. فتظل قصيدته ايا كان تمردها او رعونتها محاصرة و مسجونه باسوار الدلالة التاريخية للغه .. فتتضاءل امام القصيدة امكانيات التأويل مهما برع الشاعر و مهما ابتكر ، اما اللوحة فما زالت ابواب تأويلها مفتوحة علي مصاريعها بل و تظل تمارس "غواية " التأويل المنفلت و الارعن بدون حدود ..



ربما كان هذا هو السبب الذي ألجأ الشهاوي لرسم النص الشعري ، و تجسيده بصريا او لكتابه قصيدة بصرية ملونه .. ليستريح و لو قليلا من التأويل " المتربص " !!! او ربما هو نوع من الرغبة في الانعتاق من اسر " الجاذبية اللغوية " التي تقيد رغبته في التحليق ، و تربطه دائما بأرض اللغة المحاطه بمتاريس " التربص " السلطوي و البوليسي و الايديولوجي و الكهنوتي ....



هل هو الرغبة في اللعب ، و اطلاق الطفل الكامن الذي قمعته المكاتب ، و الحريه المدجنه في الصحف ، و منصات المهرجانات الرسمية و تحذيرات الاباء و الامهات من " اللعب في الطين " و ارتداء الوقار المجاني ، و وضع اقنعة الطيبة المؤدبه حسب شروط الطبقة الوسطي ؟!!



اعتقد انها قبل ذلك و بعده ، رغبه دفينه في كسر القوالب و القواعد ، او بتعبير ادق " قلب المنضده " او هو اجابه علي سؤال ارعن .. " لماذا دائما نضع السكر في علبة السكر ، و الشطة في علبة الشطة " ؟!

لماذا لا نضع الشطة في علبة السكر لتلسع لسان من يتذوقعها متوقعا طعما سكريا افتراضيا يتم تذوقه ذهنيا بشكل مسبق ؟! هل هو محاوله لصدم الذهنية المسبقة ؟!



ام هو ذلك كله مجتمع في هذه الخطوه " العشرية " نسبة الي اللوحات العشرة المعروضة في المعرض العام "، هذه الخطوه " الانتحاريه " المفخخة المحاطه بالمخاطر حيث سيري تشكيليون محترفون انهم احق بالمساحة التي احتلتها لوحات الشهاوي ، و يري معارضو المؤسسة الثقافية الرسمية ـ من امثالي ـ انها مجرد مجامله من قومسيير المعرض الذي هو صديق قديم بالاضافة الي كونه " بلديات " الشهاوي . او ربما يصفها اعضاء رابطة كارهي احمد الشهاوي ، علي انها نتيجة لشبكة علاقاته العنكبوتيه .. بعيدا عن التأويلات الخبيثة ما علاقة ذلك كله بوضع الشطة في علبة السكر ؟!



الحقيقة انني لم اجب علي سؤال اهم : هل من حق الشهاوي ان يرسم و يعلن عن نفسه كرسام فجأة و بدون سوابق ،، و تحتل رسوماته جدران المعرض العام ككبار الرساميين ؟!



الحقيقة انه لا توجد " صحيفة سوابق " او " فيش و تشبيه " في الابداع ، فالابداع حق دستوري مكفول لاي مواطن .. بشرط ان يكون " ابداعا " يعي موقعه من تاريخ الابداع الانساني ، و موقعه من قيم المجتمع العليا ثقافيا و روحيا و وطنيا . حتي و ان " خمش " السائد فهو " يخمشه " من موقع الانتماء ، لا من موقع التعالي او الانتماء لاجندات ثقافات اخري ، اما عن مشروعيه ما قام به الشهاوي " ابداعيا " فلقد سبقه كثيرون عبر تاريخ الابداع الانساني و العربي فلقد كان دافنشي مهندسا و مخترعا و شاعرا و رساما و كان ابن سينا خطاطا و طبيبا و شاعرا و فيلسوفا و في العصر الحديث كان بيكاسو شاعرا و مسرحيا فضلا عن كونه فنانا مؤسسا للحداثة .. و لقد علق علي ذلك في مذكراته بقوله : " اعتقد ان انتاجي كاتبا سيوازي في اتساعه و اهميته انتاجي كفنان تشكيلي ..



في الواقع انا اكرس الوقت نفسه تقريبا للكتابه و الفن ، وفي احد الايام و بعد ان اكون قد غادرت هذه الدنيا سيصدر ربما في الموسوعات و القواميس التعريف التالي : بابلو بيكاسو شاعر و كاتب مسرحي اسباني "!!!! كذلك كان نزار قباني يرسم قصائده و اغلفة دواوينه و ايضا مظفر النواب ، و صلاح جاهين و مجدي نجيب فضلا عن تجربة بيكار الشعريه الهامه ، و تجربة احمد مرسي في الشعر و الرسم ، و كذلك تجربة ادوارد الخراط ، هناك شعراء رسامون كثيرون اهمهم جبران خليل جبران ، و يعيش بيننا كثير من الرسامين الشعراء كماجد يوسف ، و سليم بركات ، و عباس بيضون و ادونيس ، و فوزي كريم ، و نزيه ابو عفش ...



حتي وليام بيليك كان شاعرا مهما و يري الكثير من النقاد ان اشعاره اهم من لوحاته و قد يتساءل سائل ، لكن الشهاوي لم يكن معروفا من قبل " كرسام " و انه فجأة ـ و " علي كبر " ـ قفز بلوحاته الي جدران المعرض العام لعرضها و ينافس بها الفناين " الغلابة " في عقر دارهم فهل لعلاقته المتشعبة دور في هذا الاكتشاف المفاجئ ؟!


اعتقد انني اجبت عن هذا السؤال ان لم تخني الذاكرة ، فليس في الابداع " صحيفة سوابق " او " فيش و تشبيه " بشرط واحد ان يكون ابداعا ، اما احتلاله لجدار من جدران المعرض العام ... فأنا اري ان من حق اي شاعر او مسرحي او موسيقي .. و ليس احمد الشهاوي فقط ان يقدم اي معالجه تشكيلية او فنيه غير ابداعه الذي اشتهر به .. و لابد ان تحتفي به و بتجربته المؤسسة الثقافية الرسمية لان في ذلك اثراء للحركة الثقافية و النقدية.. فلسوف تطرح مثل هذه التجارب اسئلة غير تقليدية علي مائدة " النقد الكسول " بعضها سيدور حول تراسل الفنون ،و بعضها عن " مخيلة الشاعر " و " مخيله التشكيلي " و بعضها الثالث حول " علم النفس الابداعي " و الجدل بين عقلية الاديب و عقلية الفنان ، خاصة وان الشاعر هو في الحقيقة " مصور " يغوص في اعماق الكون ليرسم صورة " ذهنية " باللغة و المعروف ان كثيرا من الرسامين حولوا الصور الجمالية في الشعر من " نص لغوي " الي " نص بصري " و العكس بالعكس .



فلقد كتب شعراء كبار عن اعمالا فنية اعادوا انتاج جمالياتها من خلال جماليات اللغة ..



المهم في التجربة هو الي اي حد تبدي اللغوي في البصري ، و الي اي حد خاطب الشاعر بلوحته " عيون المتلقي " بلغة الشكل ، اعتقد ان التجربة مشروعه ، و مهمة لانها تطرح كثيرا من علامات الاستفهام و ستطرح العديد من القضايا الجماليه التي ستنشط البحث النقدي ، بل اري انها تجربة " شجاعة " من الشهاوي نفسه ، و من قومسيير المعرض الذي يعي في اعتقادي اهمية ان يرسم شاعر و يضع تجربته تحت الضوء لتناقشها الحركة الثقافية و النقدية...



هل استطعت ان ارتب المشهد ؟!

و هل تمكنت من الهروب المنظم من الادلاء برأي في تصنيف ما جاء به الشهاوي و تثمينه ... ام انني وضعت شأني شأن الشهاوي ـ الشطة في علبة السكر ؟!!!



الحقيقة انني من الذين يرون ان دور " النقد " ليس تقييم او تقوييم او تثمين الفن او الحكم عليه ، انما اري ان الدور الحقيقي للنقد او الكتابة في و عن الفن هو دور " معرفي ـ تحليلي " فأهم ما ينبغي ان يقوم به الناقد او الكاتب الفني هو وصف و تحليل تجربة المبدع و وضعها في سياقها المعرفي فنيا و مجتمعيا و ثقافيا ، و الوصف لابد ان يتضمن المعرفي ، و التحليل يتطلب قدرة عالية من الكاتب علي تفكيك المشهد البصري او تفكيك " الصورة " الي ابسط وحداتها التكوينية تصميما و لونيا ، و من خلال هذه الوصفية التحليلية سيمتلك المشاهد ابجديات العمل المعرفية ، و يضع يديه علي قوانين و مفاتيح العمل فيتقن اللعبة فيعيد ـ هو الاخر ـ تفكيكه كيفما شاء ليفتح ابواب التذوق التأويلي غير المحدود فتكتمل دائرة الابداع ( المبدع – العمل الفني – المتلقي ) و هذا هو الدور الحقيقي للكتابة عن و حول الابداع بشكل عام .



و الشهاوي في لوحاته العشره يدخل الي عالمه من بوابه " التعبيرية التجريديه " تلك اللمدرسة التي تعطي للون دور البطوله في التعبير بحيث تعبر حركة الفرشاه علي السطح عن قيم تجريدية عليا من خلال " تشكل اللون " تبدو و كأنها تلقائية .. و لابد ان تشعر المتلقي بتلقائيتها البكر و روعونتها غير المحسوبه ، و كأنها نتيجة انكساب لوني علي السطح شكل شكله بتلقائية و عفويه هنا تتدخل " الحرفة " لوضع التكوين في حاله تصميمه تحقق التوازن الجميل ، و لا تفقده بكارة الرعونه التلقائية اي ان اللعبة ليست مجرد " سكب " الالوان علي السطح الابيض فتشكل اللوحة نفسها كما يدعي البعض ، و لكن " اللعبة " تكمن في قدرة الفنان " تصميما " علي اقناعك بذلك . و قدرته علي كبح جماح الانكساب العفوي او حركة الفرشاه الرعناء بطريقة تبدو عفويه و اكثر رعونه فيخرج المنتج الجمالي ذا بناء معماري واضح المعالم روحيا و بصريا ..


و تكتشف انه يمتلك ابجديته الخاصة التي تتطلب تحررا من الافكار المسبقة عن البناء الدرامي الارسطي للوحة .. و تقدم للمشاهد طرقا اخري للتذوق تبتعد به عن " البحث عن المعني " وراء الشكل ، لتفتح له افاق التأويل البصري الذي يحرر الخيال من اسر " القوالب الجاهزه " فيشارك " البصر " و " المخيله " في صنع تأويلات متعددة المستويات كلما نظرنا الي العمل ، ليس فقط باختلاف المشاهدين ، بل باختلاف مرات المشاهدة للمشاهد الواحد .



و لان الشهاوي يمخر في بحار الصوفية و تجلياتها " شعرا و نثرا " فلقد حاول ان يبحر عبر هذه العشريه ـ عبر اللون الاسود بالتحديد و هو لون " ال البيت من احفاد الرسول الكريم " اقول حاول ان يبحر عبر هذه العشرية في عالم " الرؤيا " بصريا و يترجم ما ذاقه و امتلأ به قلبه بصريا ايضا اي عبر ما راه و تذوقه في رحلته الوجدانيه باللون و تحتاج هذه التجربة الي " تأمل صافي " لتكتشف كمتلق رويدا رويدا " رؤياك " انت ... اذا ما جاهدت نفسك ، و خلصتها من قوانين الجاذبية .. فكرا و ذوقا و روحا .


و دليلي علي ذلك هو الرموز الحروفية التي تظهر في قلب التكوين السابح دائما ـ بتلقائيه في " الفراغ الابيض " الذي يشكل في هذه الحالة " العماء " او " اللاوجود " ليركز المشاهد علي " بؤرة الرؤيا " اللونية التي تتشكل من داخلها حروفا و اهله ، و اقمارا و افلاكا و احجبه و تعاويذ سحرية بعضها يظهر واضحا جليا و بعضها يغيب و يتبدد ، و بعضها الثالث يتشكل في حركة دائرية دائبه الحراك الي الاعلي دائما لتربط بين النسبي و المطلق ، بين الواقعي و المتخيل بين السماء و الارض بين المادة و الروح ، بين الظلام و النور ، ذك الظلام الاسود الذي يبدو داكنا لكنه يسطع بنوره من داخله فالظلمه عند الشهاوي تلد نورا و المادي يلد الروحانية و المطلق ينتج النسبي في وحدة ( ديالكتيكية ) واحدة تمثل الوجود المحاط بالنور او المغمور في النور و هذا ـ


في اعتقادي ـ سر الرسم في منتصف الابيض دائما .. ذلك الابيض الازلي الذي يشع نورا و يضع التكوين في قلب " التجلي " التجربة تحتاج الي كثير و الكثير من التأمل ،،،،،،،ن و ما قلته هنا هو تأويل لتأملاتي لاعمال تتعدد تأويلاتها و لست اهدف من هذا التأويل سوي ان اضع " الشطة " في علبة السكر مثلما فعل الشهاوي ، فهل سيعجب الجمهور و النقاد بسكر الشهاوي " المشطشط " ؟

 بقلم اسامه عفيفي

18-9-2010

رؤيا - إعصار زهرة الخشخاش

نعم.. هو إعصار هب، فعصف بالديكور الأنيق البراق وأسقط الأقنعة كلها فظهرت المؤسسة الثقافية الرسمية في خلفية المشهد، بائسة بلا أقنعة، عارية حتي من ورقة التوت.لقد كشفت عملية سرقة 'زهرة الخشخاش' مدي الفساد والركاكة والجهل والضحالة والغيبوبة التي يتسم بها أداء الإدارة الثقافية الرسمية التي أوجعت رءوسنا بانجازاتها غير المسبوقة ومشاريعها العملاقة التي اكتشفنا بعد سرقة اللوحة أنها مجرد مؤسسة كرتونية يسكن خلفها 'الخراب'. وبعيداً عن مباراة 'إبراء الذمة' الدائرة بين أطراف المؤسسة، وبصرف النظر عن أعراض 'المعارضة' التي ظهرت فجأة علي السيد رئيس قطاع الفنون التشكيلية 'فك الله حبسه' الذي كان حتي آخر لحظة من أشد المدافعين عن السيد وزير الثقافة..


بعيداً عن ذلك كله، لا يختلف اثنان علي أن المشهد البائس الذي كشفته سرقة زهرة الخشخاش يصيب أي وطني بالحزن العميق.نعم المشهد 'محزن' بحق، فاللوحة سرقت 'في عز الظهر' من متحف 'قيل لنا' إنه مصمم علي أحدث النظم العالمية، ولنكتشف بعد سرقة اللوحة أنه مجرد 'خرابة'! أي حزن؟! وأي مرارة؟! وأي خدعة تلك التي خدعنا بها؟! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلقد كشفت اللجنة التي شكلها السيد الوزير لمراجعة موقف المتاحف أن '8' متاحف أخري 'مفتوحة للزيارة' غير مؤمنة بالمرة!


الأخطر أن جميع الأطراف تعترف بأن كنوز متحف الجزيرة التي تعد أهم بكثير من كنوز متحف محمود خليل مازالت في مخازنها منذ 20 عاما وأن الوزارة والقطاع نجحا - حماهما الله - في تأمين 'المخازن' مؤخراً! ولم يعترف أحد بسرقة '40' لوحة من مقتنيات متحف الفن الحديث كانت معارة لمستشفي العجوزة، وقيدت الجريمة ضد مجهول!كما لم يعترف أحد أن متحف 'مجلس قيادة الثورة' أصبح مجرد أطلال خرسانية لأن وزارة المالية لم توفر الاعتماد اللازم، كما لم يشر أحد إلي أن 'قصر راتب صديق" الذي أهداه للدولة كمتحف تحول إلي مخزن للقطاع، ومازال مصير مقتنياته 'النادرة والثمينة' مجهولاً حتي الآن!


كذلك لم يشر - أحد مجرد إشارة - إلي مصير مئات اللوحات 'المعارة' إلي مؤسسات الدولة منها (150) لوحة لدار الهلال و100 لوحة لأكاديمية الفنون و100 لوحة للمجلس الأعلي للثقافة علي سبيل المثال وليس الحصر، فضلا عن مئات اللوحات المعارة لسفاراتنا في الخارج، وكلها مقتنيات متحف الفن الحديث ولا تعلم وزارة الثقافة عنها شيئاً، من بينها لوحة أحمد صبري 'الراهبة' التي لا يعلم أحد مصيرها، تماما كما لا يعلم أحد شيئا عن مصير لوحة 'السد العالي' لعبدالهادي الجزار.

دائرة الخراب تتسع، ومرارة الخديعة تزداد بالحلق، ويخيم الحزن علي القلب بل يحتل السويداء!! أي خراب هذا الذي كشفه إعصار 'زهرة الخشخاش'!! لله الأمر من قبل ومن بعد.. ولا حول ولا قوة إلا باللة


أسامة عفيفي
جريدة الإسبوع فى 2 سبتمبر 2010

رؤيا - ثقافة التمويل الأجنبي

رفض عمنا يوسف إدريس جائزة مجلة حوار لأنه اكتشف أنها ممولة من مؤسستي فورد فاونديشن وفرانكلين التابعتين للمخابرات الأمريكية، ونشر عمنا غالي شكري تفاصيل علاقة هذه المؤسسات بالمخابرات الأمريكية ودورها في تدجين مثقفي العالم الثالث في كتابه الشهير 'الثقافة في المعركة' كما كتب أحمد عباس صالح دراسة مستفيضة في مجلة الكاتب - آنذاك - شارحاً بالوثائق والأرقام دور فورد فاونديشن المخابراتي في شرق أوربا والوطن العربي، كذلك ترجم صديقنا طلعت الشايب أحد أهم الكتب المعتمدة علي وثائق المخابرات وهو كتاب 'من يدفع للزمار' الذي يؤكد أن هذه المؤسسات التي 'تبدو' ثقافية ما هي إلا مؤسسات 'مخابراتية' تسعي لتحقيق أهداف سياسية في المنطقة.

رغم كل ما كتب مازالت الجماعات والمؤسسات المسرحية والسينمائية والتشكيلية بل والتراثية المسماة بـ'المستقلة' تأخذ حصتها من 'التمويل الأجنبي' جهاراً نهاراً.. غير عابئة بنقد الناقدين تحت دعوي أنها لا تتلقي أي تعليمات من 'الجهات المانحة' وكأن هذه المؤسسات الأجنبية من مبعوثي العناية الإلهية لإنقاذ الثقافة والفنون العربية!!

الأغرب أن المؤسسات المانحة تعلن الأرقام والأهداف والأسماء، فمؤسسة 'أناليند' تعلن أنها تدعم 'ثقافة السلام' بل وتفرض وجود 'نشطاء إسرائيليين' في أي نشاط، وقصة بينالي شباب المتوسط مازالت ماثلة أمامنا، عندما فرضت المؤسسة علي أتيليه الإسكندرية اشتراك فنانين إسرائيليين، ولما رفض الأتيليه عاقبت المثقفين المصريين بنقل البينالي إلي عاصمة أخري، كذلك تعلن فورد فاونديشن تمويلها للبحوث المشتركة 'المعنية بمتغيرات المجتمع المصري كالحجاب والمثليين والمهمشين وأهل النوبة وأهل سيوة بالذات'

كما تمول المؤسسات 'الغامضة' الأهداف كالتاون هاوس وغيره من مؤسسات ما يسمي بالحداثة، ليس في الفنون التشكيلية فقط بل في المسرح والموسيقي، ودعمها لفرق 'الهيب هوب' و'الستاند أب كوميدي' ليس بريئا بل إنه محاولة لأمركة الذائقة الفنية، وقصة تمويلها لفن الطنبورة البورسعيدي معروفة فلقد فضحها فنانو بورسعيد، وكشفوا البرنامج المستهدف تهميش ونزع أغاني المقاومة من تراث السمسمية كذلك دعمها لفرقة مسرحية علي مدي عشر سنوات في مشروع نزع 'العنف' من التراث!! بالإضافة إلي دعمها لمشروع نبذ العنف ضد المرأة والتسامح بين العرب واليهود في مشاريع تراث الأراجوز، هذا كله معروف وتعلنه هذه المؤسسات لأنها تحاسب أمام دافع الضرائب الأمريكي والأوروبي، ورغم ذلك يعلن 'المستقلون' الجدد أنهم لا يخضعون لأي ضغوط!!

الأخطر هو اشتراك المؤسسة الثقافية الرسمية في 'اللعبة' فلقد نظم المجلس الأعلي للثقافة مؤتمرا ناقش حاضر ومستقبل المسرح المستقل بحضور ممثلي الجهات المانحة 'رسمياً' وكأن المؤسسة الثقافية الرسمية تري أن من حق 'الأجانب' تقييم ورسم ملامح حياتنا الثقافية ولا يمكن فهم وجود هؤلاء 'الأجانب' إلا من هذه الزاوية التي أري أنها 'كارثة' تستوجب وقفة جادة من الحركة الثقافية.. فهل نفعل؟! أتمني


بقلم أسامة عفيفي

جريدة الاسبوع 8 أغسطس 2010

ما أشبه الليلة بالبارحة - الاستقواء بالأجنبي من المعلم 'يعقوب' حتي 'البرادعي'


ما إن قرأت خبر زيارة السفيرة الأمريكية لمنزل الدكتور البرادعي، والتي جاءت بعد تصريحات الإدارة الأمريكية حول قضية مقتل الشاب خالد سعيد السكندري وهي التصريحات التي رأي الكثيرون أنها نوع من التدخل السافر في الشئون الداخلية اكتشفت أن هذا الخبر قد احتل صدر الأخبار العالمية بشكل لافت للانتباه وقفزت في ذهني فوراً صورة 'المعلم يعقوب' عندما زاره الجنرال الفرنسي ديزيه ليطمئن علي صحته إثر إصابته بجرح أثناء 'مذبحة بني عدي' التي شارك فيها يعقوب كجندي 'ودليل لقوات الاحتلال' ضد أبناء بلده من 'صعايدة أسيوط' وهي المذبحة التي أسفرت عن إبادة القرية بنسائها وأطفالها وزراعاتها وحيواناتها بشكل بشع أثار استياء كثير من الجنود الفرنسيين أنفسهم.. وتمتمت بيني وبين نفسي فما أشبه الليلة بالبارحة؟!


الزيارة 'الغامضة' التي قامت بها السفيرة الأمريكية.. علي رءوس الأشهاد وتناولتها -كما ذكرت- وكالات الأنباء كأهم خبر في اليومين الماضيين هي التي دفعتني دفعاً للكتابة عن 'مشروع البرادعي' برمته، فهي تأتي تتويجاً لمسيرة طويلة من التصريحات واللقاءات والبيانات تدور كلها في فلك 'الإصلاح' علي الأجندة الأجنبية، بل ومخاطبة 'الأجنبي' ومغازلة مصالحه أضعاف أضعاف مخاطبة 'رجل الشارع' والحديث عن مشاكله.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد.. بل لقد حرض 'البرادعي' الإدارات الأجنبية علي 'النظام المصري' علانية، لفرض 'الإصلاح' فرضاً عليه، فلقد قال للجارديان: 'يجب علي الغرب سحب دعمه غير المشروط للأنظمة القمعية التي يعتبرها الغرب الحصن ضد التطرف'.


وفي حواره مع الجارديان أيضاً حذر البرادعي الدول الغربية وعلي رأسها بريطانيا وأمريكا من فقدان مصداقيتها لدي شعوب الشرق الأوسط لأنها تغمض عينيها عن الديمقراطية الزائفة في مصر وتساند أنظمة الحكم الديكتاتورية في الدول العربية بدعوي حماية المصالح الغربية.


لا يمكن لنا أن نفهم زيارة السفيرة الأمريكية لمنزل البرادعي إلا في سياق واحد وهو 'الاحتماء بالأجنبي' و'الاستقواء به'!! مهما كانت تبريرات الزيارة من الجانبين، فرغم أن السفارة الأمريكية أعلنت أنها زيارة عادية في إطار التعرف عن قرب علي 'الشخصيات المصرية التي من الممكن أن يكون لها دور في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة المقبلة'.


ورغم تصريح البرادعي بأن اللقاء تم في منزله بناء علي طلب السفراء لمناقشة الأوضاع السياسية المصرية إلا أن أي ساذج لابد أن يري هذه اللقاءات من منظور واحد هو 'الرقص علي إيقاع الأجندة الأمريكية' التي تعيد ترتيب أوضاع الشرق الأوسط من جديد.. نفس الشيء حدث في الماضي في زيارة ديزيه ليعقوب، والتي كان الهدف المعلن لها الاطمئنان علي صحته، لكن يعقوب نصح ديزيه بألا يعقد هدنة في 'جرجا'، وعليه أن يفعل نفس ما فعله في 'بني عدي' وقال له إنني رغم 'جرحي' علي استعداد أن أقوم من فراشي الآن لتنفيذ ذلك فوراً فأنت لا تعرف الصعايدة، وهو نفس الموقف الذي نصح به كليبر في قمع ثورة القاهرة الثانية عندما قال له إن الصلح لن يجدي، بل إن الضرب بيد من حديد هو الذي سيُخضع قادة الثورة ويقضي علي الدهماء.. وبعد أن قام يعقوب بدوره أعطاه كليبر رتبة الجنرال مكافأة له..



المسألة تحتاج إلي وقفة متأملة.. وهادئة وعقلانية.. بل نحن نكتشف أن السيناريو المحكم تتضح ملامحه يوماً بعد يوم.. لقد بدأ البرادعي حملته بضرورة فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية دون قيد أو شرط، وهو مطلب 'الحركة الوطنية المصرية' كلها من قبل أن يأتي البرادعي، بل ومنذ الاستفتاء علي التعديلات الدستورية التي أتاحت لأكثر من مرشح أن يتقدم لانتخابات الرئاسة 'بشروط قاسية' لكن ذلك المطلب الذي أطلقه البرادعي، والتف حوله الكثيرون لم يكن يحتاج بأي حالٍ من الأحوال إلي ذلك الهجوم العدواني علي ثورة يوليو وعبدالناصر، كما أنه لم يكن بحاجة إلي مطالبة 'الغرب' بتقديم يد المساعدة وهو الأمر الذي تطور إلي توجيه النصائح المجانية لـ'الأجنبي' تماماً كما فعل المعلم يعقوب، والذي وصل إلي أعلي درجاته عندما استقبل السفيرة الأمريكية والسفير البريطاني معلناً وبقوة 'المحمي بالأجنبي' أنه طرف يمكن التحاور معه ويمكن عقد الاتفاقات مع الدول الكبري.

المثير للضحك في تصريحات السفارة الأمريكية هو إعلانها أن الزيارة جاءت للتعرف من قريب 'علي الشخصيات المصرية'.



وكأن البرادعي غريب عن الولايات المتحدة التي دعمت ترشيحه 'هو بالذات' في وكالة الطاقة النووية، والتي دفعت وبقوة من أجل حصوله علي جائزة نوبل، حتي عندما تأزمت العلاقة بينه وبين أمريكا في آخر انتخابات خاضها يعلم الجميع أن اجتماعاً مطولاً جري بينه وبين 'الآنسة كونداليزا رايس' وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والذي لا يعلم أحد تفاصيله أو تفاصيل الصفقات المتبادلة التي تمت بينهما خاصة أن هذا الاجتماع تم بعد تصريحاته بأن 'أمريكا أساءت استغلال المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل التي قدمتها الوكالة' وهو الموقف الذي مازال يعتبره الكثيرون أنه سهَّل عملية الحرب الأمريكية علي العراق وأوجد مبرراً -معلناً- لها.. المهم أن اجتماع 'رايس والبرادعي' الغامش فتح الباب أمامه مرة أخري للترشح والنجاح في وكالة الطاقة الذرية، فهل تحتاج أمريكا إلي لقاءات تعارف معه كما أعلنت السفارة أم هو 'إعلان رمزي' أمريكي بأن 'البرادعي' تحت حمايتها؟ لا يمكننا إلا أن نفسر هذه الزيارة بغير هذا التفسير الواضح لكل ذي عينين خاصة بعد تصريحاته النارية التي طالب فيها الغرب بالضغط علي الإدارة المصرية لتحقيق ديمقراطية حقيقية، واحترام حقوق الإنسان كما أن ذلك يأتي بعد انفضاض الكثيرين من أعضاء 'جبهة التغيير' عنه وانتقادهم العلني 'لمبدأ الاستقواء بالأجنبي' وانحسار 'الوهج' عن صورته الجماهيرية



خاصة أن المواطن البسيط يرفض دائماً الارتباط بالأجنبي أو التمسح به وتاريخنا مليء بالمواقف الشعبية الغارقة في هذا الموضوع، فقد لبس الشعب المصري السواد، وأعلن الحداد الشعبي عندما أصدر القاضي الإنجليزي قرار إعدام 'إبراهيم الورداني' الذي اغتال بطرس غالي صديق الإنجليز.. نفس الشيء فعلته الكنيسة المصرية الوطنية عندما أصدر البابا قراره بطرد 'يعقوب' من الكنيسة، نتيجة تعامله مع الفرنسيين ومحاولته الاستقواء بالمحتلين وإجبار 'البابا' علي منحه البركة وإقامة طقوس التناول التي كان محروماً منها لأسباب كنسية، ورغم دخوله إلي حرم الكنيسة راكباً جواداً وفي كامل سلاحه، أصر البابا علي طرده غير عابئ بمن يحميه.

المواطن المصري يتقزز دوماً من هذه النماذج.. ويرفضها وينفضّ من حولها.. لكن الدكتور البرادعي الذي قضي أغلب عمره بين المنظمات والجمعيات والمراكز الدولية والأمريكية لا يعرف 'الوجدان المصري' ويعتقد أنه يستطيع بالاعتماد علي 'الحماية الأمريكية' التي شملته علانية بزيارة السيدة سفيرة أمريكا أن يصل إلي الحكم عبر الانترنت!! ورسائل الموبايل..



نعم إن مطلب 'الإصلاح السياسي' مطلب جماهيري وطني، والإصلاح الاجتماعي هدف الفصائل الوطنية ورفض التزوير والمطالبة بإلغاء قانون الطوارئ هدف القوي السياسية الفاعلة منذ أن فرضه السادات وحتي الآن، وهو علي رأس الأجندة المصرية الوطنية.. ولكنه يحتاج منا الالتفاف والتوحد لمواجهة فساد الحزب الوطني وفرض الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية علي حكومته من خلال نضال حقيقي بين جماهير الشعب العامل ووسط أبنائه من العمال والفلاحين وهو ما يقوم به الكثير من أطراف الحركة السياسية المصرية، لكن لا شأن لأمريكا أو بريطانيا أو المجتمع الدولي بما يحدث علي أرض مصر، لأن مصر ليست تحت وصاية أحد وتاريخها يؤكد ذلك وأي محاولة لفرض هذه الوصاية ستقابل من 'الضمير الوطني' بالرفض والأمثلة كثيرة..

ولنذكر هنا في الختام مصير المعلم يعقوب الذي ذكرنا به الدكتور البرادعي، فلقد قرر 'المسكين' عندما وجد بنفسه أن قوات الفرنسيين تخرج من هزيمة لتدخل إلي هزيمة وعندما قرر 'مينو' الرحيل، عرف هو مصيره، فقرر الرحيل مع الحملة، وعندما وافته منيته فوق السفينة أوصي بأن يدفن بجوار صديقه ديزيه، ويروي التاريخ أن قائد السفينة الانجليزي احتفظ بجثمانه في برميل نبيذ وسلمه إلي محافظ ميناء طولون، ومعه الوصية، وعندما أرسل المحافظ وصية 'يعقوب' لنابليون الذي كان يحكم فرنسا طالباً منه تحقيق وصية 'جنرال في الجيش الفرنسي' رد عليه نابليون بقوله: 'إدفنه في أي مكان تشاء، ففرنسا لا تدفن الخونة مع أبطالها' هكذا ينظر المستعمر والأجنبي إلي المتعاونين معه، فهل يتعظ الذين يستقوون بالخارج؟


 بقلم أسامة عفيفي
جريدة الاسبوع فى 7 يوليو 2012

غيبوبة قطاع الفنون التشكيلية


قطاع الفنون التشكيلية شأنه شأن مؤسسات وزارة الثقافة «ملكية عامة» أي أنها ملك للشعب الذي يدفع مرتبات العاملين بها نظير قيامها بتقديم خدمات ثقافية ومعرفية للمواطن العادي فترعي مواهب أبنائه، وتحفظ تراثه الفني، وتحافظ علي الذاكرة الثقافية الوطنية، ولأن العمل الثقافي في مصر أصبح قائمًا علي نظرية الاحتفاليات الموسمية غير المخططة تاهت الإيجابيات في خضم اللا تخطيط واختلطت بالسلبيات، وأصبح الفعل الثقافي مجرد كم لا كيف له. فضاعت الايجابيات وقامت المؤسسات الثقافية بأي شيء إلا دورها الحقيقي، وينطبق ذلك علي المؤسسات الثقافية كافة،


ولقد لاحظت هذا الأسبوع مجموعة من الملاحظات التي فرضت عنوان هذه المساحة؛ فلقد شاهدت عددًا من الأنشطة الفنية في القاعات الخاصة والجمعيات الأهلية، هي من صلب اختصاص «قطاع الفنون التشكيلية» فمثلاً افتتح في جاليري مسار معرض لأعمال جماعة الفن المعاصر ضم أعمال مؤسسها حسين يوسف أمين جنبًا إلي جنب أعمال تلاميذه كالجزار وندا وسمير رافع وماهر رائف وغيرهم.. وهذا المعرض هو من صميم اختصاص «متحف الفن الحديث» الذي يضم مقتنيات رائعة لهذه المدرسة المهمة.. لكن القطاع معني باحتفاليات أخري غير الحفاظ علي الذاكرة،


وفي نفس الأسبوع نظمت قاعة بيكاسو معرضًا لرائد فن البورتريه أحمد صبري ضم مجموعة نادرة من إبداعاته، وهذا المعرض أيضًا من «صميم» اختصاص القطاع الذي لا يعرف حتي الآن كيفية إعادة لوحة «الراهبة» التي انتزعت من مقتنياته ووضعت في مقر مصر الدائم بالأمم المتحدة، وقبل المعرضين احتفل الاتيليه بمرور 70 عامًا علي تأسيس جماعة الفن والحرية بندوة شارك فيها عدد من النقاد.. وهذه الاحتفالية- أيضًا من «صميم» عمل قطاع الفنون التشكيلية.. بل إن القطاع تجاهل العيد الذهبي للسد العالي، ولم ينظم أي احتفالية أو معرضًا تعرض فيه أعمال الرواد العظام التي أنجزوها تعبيرًا عن تلك الملحمة الكبري.. فماذا يفعل القطاع إذن؟!


لقد تفرغت قاعاته لإثارة أسئلة ساذجة سطحية مثل «ليه لا» وهو المعرض الذي ضم في جنباته أعمالاً إن لم تكن ساذجة فهي مقلدة ومسروقة من «نفايات» الغرب والتي تخلي عنها منذ سنين وسنين، فضلاً عن اهتمام أنشطته بفنون «السينما والفيديو» المنسوب ظلمًا للفن التشكيلي، وهو بعيد كل البعد عن التشكيل والسينما معًا.. لقد ترك القطاع دوره، وتفرغ للموضات والتقاليع، بل إن أغلب قياداته في غيبوبة، وعدم إدراك للدور الثقافي الوطني الذي يتقاضون مرتباتهم من أجل القيام به.. فمتي يفيقون؟

بقلم اسامة عفيفى
جريدة الموقف العربى فى 21 مارس 2010

رؤيا - ابتهالات منير المصرية

ـنعم مصرية.. ليس فقط لأنها تنتمي إلي مدرسة عريقة متفردة أسسها منشدون مبدعون عبر أكثر من خمسة قرون ولكن لأن محمد منير استطاع بوعي شديد أن يقدم ابتهالاته الأخاذة مستلهمًا أهم إنجازات المدرسة المصرية في الأداء.. فلقد اعتمدت هذه المدرسة علي الصوت البشري الصافي الرائق القادر علي النفاذ إلي قلوب مستمعيه.. خاصة أن الابتهالات هي جزء من حالة طقسية تشارك فيها الجماعة في أثناء الاحتفاليات الدينية.. ولقد استطاع منير أن يغلف أداءه بهذه الروح الطقسية فجاءت ابتهالاته صافية رائقة تخرج من قلبه إلي قلوب مستمعيه.


والحقيقة أنني انتظرت هذه 'الابتهالات' كثيرا بعد نجا ح أغنية 'يا رسول الله' التي أداها مستهلمًا تراث الجنوب الصوفي الانشادي ببراعة وتلقائية وصفاء، أقول إنني انتظرت هذه الابتهالات كثيرًا بعد أن انتشرت 'الابتهالات' التي أسميتها من قبل الابتهالات التجارية والتي وصفها بعض الأصدقاء بأنها 'سبوبة' من 'سبابيب' رمضان بعد تكاثر المحطات الفضائية، فلقد انتشرت في الآونة الأخيرة نماذج من الأدعية بعضها تقليدي والبعض الآخر لا علاقة له بفن 'الابتهال' وإنما قدمها أصحابها بغرض التواجد وكسب أكبر قدر ممكن من مساحات الارسال الرمضاني.. المدفوعة مسبقا من الرعاة والمعلنين.. ولقد سرق البعض ألحان سيد مكاوي وابتهالات النقشبندي دون أي اشارة إلي مصادرها وأعادوا تقديمها بطريقة رديئة، وأصبح سوق الابتهالات سوقًا موسميًا مربحًا لأصحاب الأصوات العرجاء فتساءلتُ بيني وبين نفسي: لماذا لا يدخل محمد منير الساحة، بعد نجاحه 'يا رسول الله'.. خاصة أنه ابني حلقة الذكر الجنوبية وابن سهرات الموالد الجنوبية الصداحة- بمختلف الأصوات والمدارس الأدائية التي تشعل الفؤاد، ولم يخيب منير ظني فإذا به يطلق ابتهالاته الأخاذة التي استطاع بها أن يهمش 'سويقة الأدعية التجارية' ويرتفع صوته الناضج بابتهالات مصرية صميمة.. تغسل القلوب والأرواح وتغلف الأجواء بشفافية تطهر النفوس.


أهم ما في ابتهالات منير أنها تقدم 'لغة جديدة' في عالم الأدعية.. لغة مختزلة تستلهم اللغة القرآنية وتشتبك مع الحياة وهموم الناس وتحث البشر علي تنمية الإرادة وتغوص في الذات من أجل المجموع لغة شفافة ومركزة تفجر مشاعر الحب وتشيع المحبة الرائقة.. ولقد استطاع منير أن يعطيها من نضج صوته الشعبي شفافية شفافة فانتقلت ـ كما أسلفت ـ من قلبه إلي قلوب البسطاء الطيبين الذين ينشد دائما من أجلهم ولهم.. إنها ابتهالات شجية مصرية تستحق مكانها في القلوب


بقلم  أسامة عفيفى
جريدة الاسبوع فى 8 سبتمبر 2009

تأملات شاكر الصوفية


قليلة هي الأعمال الفنية التي تهزك من الأعماق.. وقليلة جدًا تلك التي تستولي علي بصرك ومشاعرك وروحك فتتسمر أمامها ولا تريد أن تغادرها وتتمني أن تجلس في حضرتها أطول فترة ممكنة.. خاصة عندما تكون «متقنة الصنع» ومستوفية لشروط «البناء».. وتشعرك أن مبدعها قد نضجت أدواته الفنية، بحيث تأتمر فرشاته بأمر روحه وأحاسيسه، فتنقل إليك هذه الفرشاة نفس المشاعر والأحاسيس الروحانية التي أحسها الفنان،

هنا تقوم اللوحة بدورها الحقيقي في «التعبير» و «التأثير».. هذا كله دار في ذهني وأنا أتجول في معرض الفنان السكندري د. محمد شاكر الذي أقامه في قاعة «بيكاسو» والذي ضم مجموعة من الأعمال التصويرية التي تشع بهاءً وروحانية بل لقد استطاع الفنان أن يغوص بفرشاته في العالم بحثًا عما لا يراه الآخرون..

فالفنان والشاعر والموسيقي دائمًا يرون في الحياة من العلاقات الجمالية ما لا يلحظه الإنسان العادي، إنه دائمًا يبحث عن الجوهر وعن روح المشهد، يفتش عن الجمال الكامن فيما وراء الشجرة أو الحارة أو الجبل أو البحر فتأتي أعماله وابداعاته عزف علي ايقاع الروح


بل لقد أحسست أن الفنان محمد شاكر يرسم ملامح عالم «صوفي» مليء بالأسرار الجميلة، والفتوحات المتألقة، وكأنه «يلون» الهواء ويرسم رائحة المكان فأنت في لوحته (زقاق سكندري) مثلاً لا تشعر بجمال وحميمة الزقاق فقط، لكنك تشم رائحته العبقة،


إنه لا يرسم الضوء ولكن يشعرك ببراعته الأدائية بأن المكان في اللوحة هو الذي يشع ضوءًا ونورانية.. حتي عندما يرسم الطبيعة.. تجد أنه لا يعيد انتاجها ولا يرسم «رؤيته لها» لكنه يندمج فيها، ويتوحد معها.. فتتجلي الطبيعة في لوحته وهي معبقة بأريج روحه وميراثه الثقافي والوطني والإيماني،


إنك أمام «ابتهالات لونية» و«معزوفات بصرية» تلمس روحك في ضوء وجمال حتي تجريدياته التي استلهم فيها التراث الإسلامي تشعرك «بصوفية عذبة» تجد نفسك منجذبًا إلي ايقاعها اللطيف الرهيف.. فتسكنك لتطهر روحك من أدران الحياة الصاخبة المليئة بالخلل..


إن لوحات محمد شاكر تعيد اليك نفسك وروحك وهويتك- دون افتعال- في عصر مسخ الهوية والروح الذي تسعي إليه ثقافة العولمة

بقلم  أسامة عفيفى
جريدة الموقف العربى

 

براءة شهرزاد


بعد مداولات، ودراسات، وبعد تحقيقات وتحريات ووسط أجواء من الاتهامات الباطلة التي مست عملاً تراثىًا مهمًا كألف ليلة وليلة حصلت السيدة شهر زاد أقدم روائية في تاريخ العالم علي «البراءة» من التهم الباطلة الموجهة اليها، وقرر النائب العام «حفظ» التحقيقات والشكاوي المقدمة ضدها، لأن ألف ليلة وليلة - كما جاء في حيثيات القرار- تعد رواية تراثية خلبت عقول أجيال عديدة في الشرق والغرب، وهي كتاب في الأدب الشعبي يشكل جزءًا أصيلاً من الثقافة العامة خليق بأن يكون موضوعًا للدراسة والبحث،

بهذا القرار الحضاري التاريخي وضع المستشار عبدالمجيد محمود «النائب العام» حدًا للهجمة الشرسة التي لا تهدف إلا لتغييب وعي المجتمع وصرفه عن قضاياه الأساسية، بإثارة قضايا فرعية تعيد مناقشة المسلمات والبديهيات، في محاولة لإنهاك العقل العربي، ودفعه بعيدًا عن الإبداع، والتفكير في المستقبل، ومنعه من الابتكار لتطوير المجتمع..

الأهم في قرار النائب العام أنه جاء تعبيرًا عن الضمير الثقافي العربي الساعي للاستنارة والحرية ورفع رايات الحداثة الوطنية التي تعي موقعها من تراثها الإبداعي أو موقعها من العالم، وتعي في نفس الوقت واقعها ومشكلاته وتسعي إلي تنويره وتحديثه من أجل تحقيق إنسانية الإنسان، والإعلاء من شأن العقل الذي ميز به الخالق سبحانه وتعالي الإنسان..

هذا القرار التاريخي يضاف إلي سجل القضاء المصري المشرف والمضيء والمليء بالمواقف المنحازة إلي العقل والحرية والاستنارة عبر تاريخه العريق، وهو يعد في نفس الوقت انتصارًا للحركة الثقافية العربية التي هبت تدافع عن تراثها الإبداعي، وعن حرية البحث العلمي وحرية النشر والتعبير وتتمسك بحقها في الإبداع الحر المنتمي لعروبتها وثقافتها الأصيلة؛ المتحاور مع الثقافة الإنسانية من موقع الندية ومعرفة أهمية وتأثير تراثنا الإبداعي في الثقافة الإنسانية والحفاظ عليه كاملاً للأجيال القادمة. إنه قرار يناصر حرية المعرفة وحرية العقل،

تحية للنائب العام، وتهنئة للحركة الثقافية التي قاتلت من أجل الدفاع عن تراثنا وحريتنا في زمن تحاول فيه قوي العولمة وحلفاؤها تدمير الهوية وتدمير الإبداع


جريدة الموقف العربى
أسامة عفيفى

رؤيا - محمد رزق عاشق النحاس

مثلما تسلم محمود مختار أزميل النحات المصرى القديم لينحت فى الجرانيت رائعته الصريحة الخالدة ` نهضة مصر ` استلم محمد رزق ` مطرقة ` نفس النحات القديم ليكون أول ` طارق ` لتماثيل النحاس الصرحية ويحول مسار التعامل مع ` خامة النحاس ` من أسلوب ` الصب ` إلى أسلوب ` الطرق ` المباشر على الخامة التى عرف أسرارها بدقة بالغة ليصنع منها تماثيل شامخة مازالت واقفة وشاهدة على إبداع صانعها الذى سيظل اسمه محفوراً فى ذاكرة الوطن .

صحيح أن جمال السجينى هو أول من أعاد الاعتبار لخامة النحاس ولأسلوب الطرق المباشر ، وأنه أول فنان معاصر يخرج ` النحاس المطروق ` من ورش خان الخليلى ` الزخرفة ` ليصنع من خلالها جداريات فنية فائقة الجمال والبراعة يعبر بها عن الإنسان المصرى المعاصر .. وهو انجاز إبداعى ` مؤسس ` قدم به درساً بليغاً للحركة الفنية ليؤكد أن الفنان الأصيل هو من يستلهم حضارته ويطور أساليبها ويشتبك بها مع قضايا عصره مشكلاً ملامح المشهد الإبداعى لتصبح أعماله رافدا من روافد ` الثقافة الوطنية ` التى تشكل الوجدان المعاصر ،

ولقد سار محمد رزق ` يرحمه الله ` فى بداياته على نهج ` السجينى ` فى صنع جداريات النحاس المطروق ومن أهمها فى اعتقادى - جداريات ` قصة الخبز ` بمدخل الأهرام ، و ` الحصاد ` بمدخل الهيلتون ، و ` الحرية ` على واجهة مركز الإبداع بالأوبرا ، إلا أن رزق استطاع أن ينفرد بتطوير أدائه ليتجاوز مرحلة الجداريات إلى صنع تمثال كامل من ` النحاس المطروق ` طرقاً مباشراً مستغنياً عن أسلوب ` الصب ` المتبع ليصنع تماثيل عملاقة وجميلة من بينها خيوله الجامحة الضخمة ، والفلاحة الواقفة فى شموخ بشرم الشيخ وعازف الربابة والكمان الأنثى بالأوبرا ، وعامل الحديد والصلب الذى نفذه على الحديد المطروق والذى يقف فى شموخ متحديا زمن الخصخصة فى حديقة متحف الفن الحديث ، وغيرها من أعماله الصرحية الجميلة المتقنة الشاهدة على وعى وثقافة وموهبة محمد رزق .
عاشق النحاس والمعبر بأعماله عن الإنسان المصرى بانتصاراته وانكساراته بأحلامه وأماله والأمة .. لذا سعدت عندما تجولت فى المعرض الذى نظمته أسرته بقاعة الفنون التشكيلية بالأوبرا ، ووجدت نفسى لا أزال منبهراً بالموسيقى المنبعثة من حوار الخطوط القوية والحانية فى جدارياته ، وبالشعر الذى تبوح به أعماله .. وبأصالة تكويناته وقدرته الفائقة على تطويع الخامة لتبوح بأسرارها معبرا من خلالها عن ` مسيرة الوطن ` ووجدتنى أردد بينى وبين نفسى وأنا عائد إلى بيتى : حرام أن تباع هذه الأعمال هنا أو هناك .. فلابد أن يضمها متحف خاص بإنجازات الرجل الذى وهب فنه وإبداعات روحه لوطنه .. وناسه .

وأعتقد أن أقل تقدير للرجل هو أن تؤسس وزارة الثقافة لإبداعاته متحفا يحفظ للأجيال هذه الأعمال الفذة الجميلة التى هى جزء لا يتجزأ من ثقافتنا الوطنية المعاصرة


بقلم أسامة عفيفى 

جريدة الاسبوع

أكتوبر 2010

رؤيا - جماليات كشيك الخفية

محمد كشيك شاعر بدرجة زاهد، ومثقف بدرجة إنسان، وإنسان بدرجة ‘أجدع الجدعان’ فهو معجون من طينة عجيبة تختلط فيها الثقافة الموسوعية بالوفاء بآلام الناس بهموم الوطن بالموهبة، ولأنه موهبة كبيرة فهو لا يشعر بالغيرة من الموهوبين، بل إنه دائما ما يتحدث عن شعر الآخرين آكثر من حديثه عن شعره. ويسعي لنشر إبداعات الشباب أكثر من سعيه لنشر إبداعاته، بل لقد كانت مجلة ‘الثقافة الجديدة’ إبان إشرافه عليها تمثل نبض الحركة الثقافية في قري مصر ونجوعها من الإسكندرية حتي أسوان.

ومن أهم مميزات محمد كشيك أنه لا يتنكر لأصدقائه مهما غابوا عنه، ما أن تقابله بعد غيبة طويلة حتي تشعر أنكما لم تفترقا إلا منذ دقائق ومن أهم عيوبه أنه لا يتقن غير ‘الحب’ ولأنه ‘محب’ من الوزن الثقيل فهو لا ينسي نفسه وشعره وإبداعه.. في زخم اهتمامه بإبداع الآخرين، لذا فرحت فرحة غامرة وأنا أتصفح كتابه الجديد ‘جماليات النص الخفي’ والذي اكتشفت بعد قراءته أنه ‘فتح منهجي’ في التأصيل النقدي لجماليات شعر العامية المصرية، فمن خلال دراسته ‘للبنية الجمالية’ لأشعار بيرم وجاهين وحداد يرسم ملامح ‘المثلث الذهبي’ لشعر العامية المصرية الذي أسس قواعد هذا الفن فسار علي إيقاع قواعدهم أجيال وأجيال ابتكروا وابدعوا ونضجوا بفضل انجاز هؤلاء الكبار.

وأهمية كتاب كشيك ـ كما قلت ـ أنه كشف لنا الجماليات الخفية في القواعد التي أسسها الرواد الثلاثة، وهذا هو ‘الفتح’ الذي وضع كشيك يده عليه وسط ندرة بحثية وإهمال شبه متعمد لإنجاز شعر العامية المصرية بل إن الكتابات الأكاديمية القليلة يفتقد أغلبها إلي الابداع ومعرفة أصول الصنعة لذا فلقد استطاع كشيك كعليم بأسرار الصنعة وكمبدع أن يفك طلاسم هذه الجماليات الخفية فوصلت إلي القلوب قبل العقول. فباستثناء كتاب الراحل سيد خميس وبعض كتابات سيد حجاب من النابهين لا توجد مؤلفات في البحث الجمالي عن انجاز الرواد الثلاثة؛


وهو الذي دفعني دفعا للكتابة عن كتاب كشيك الذي استطاع بلغته الوهاجة أن يكشف وهج الجماليات الكامنة في شعرهم وبدون فذلكة أو تعاليم يقود القارئ بطيبة وحميمية إلي تذوق نصوصهم، ورغم أن الكتاب يتبع المنهج العلمي في البحث ويتحدث عن ‘تقنيات’ القصيدة وبناء ‘القوالب’ الجديدة التي ولدت من معرفة الرواد بالقوالب القديمة وعلاقة ذلك كله ببناء الصورة الشعرية عند الثلاثة، إلا أن كشيك استطاع أن ينسج نصًا يقرأه المتخصص فيجد فيه ما يزيده معرفة، ويقرأه القارئ العادي فيعرف كيف ستذوق ‘الشعر’ ليس فقط شعر الرواد، ولكن شعر العامية المصرية بشكل عام. وهذا الإنجاز هو سر جماليات محمد كشيك الخفية التي ظهرت في هذا
الكتاب

بقلم  أسامة عفيفى
جريدة الاسبوع فى 29-4-2010


رؤيا - ماذا أكتب؟!

نعم ماذا أكتب؟! .. ولماذا أكتب؟! .. وهل ما أكتبه وما يكتبه أصدقائي وزملائي وأساتذتي يستطيع أن يغير ما نحن فيه من ألم وحزن وإحساس دفين بامتهان كرامتنا وإنسانيتنا؟!

وهل تتغير المجتمعات بالمقالات أيا كان صدقها أو ثوريتها؟! .. هذا السؤال وما يتوالد عنه من أسئلة دائما ما يقف أمامي ليشكل علامة استفهام صخرية تسد الطريق وتدفعني دفعا لأن أطرحه علي الكتاب والقراء معا.

هل تفيد الكتابة .. أي كتابة والمجازر العلنية قائمة علي قدم وساق في فلسطين والعراق وأفغانستان؟ .. وهل تغير الكتابة شيئا أيا كان صدقها في الدمار المخيف الذي قتل الناس والمباني والبيوت والمساجد والأشجار والمستشفيات وحول غزة إلي أطلال وأهلهاإلي مشردين؟!

ماذا أكتب، وماذا تفيد الكتابة ومصانعنا التي شيدها الشعب من قوته وعرقه تباع بالملاليم ليبيعها من أشتروها بالمليارات بعد أن يحولوها إلي أرض فضاء لتبني عليها الأبراج الشاهقة ليسكنها الأغنياء الجدد الذين لا نعرف مصادر أموالهم المتكاثرة في البنوك .. بينما يلقي للعمال بملاليم المعاش المبكر، ويدفعون دفعا إلي سوق البطالة .. التي تتزايد يوما بعد يوم فتلد الجريمة والإحباط والانهيار؟

ماذا أكتب؟! .. وماذا تفيد الكتابة وإعلامنا الرسمي قد أصبح ساذجا ومنافقا ويقلد ببلاهة الإعلام التجاري الذي لا يهدف إلا للمكسب ضاربا عرض الحائط بقيمنا وتقاليدنا المجتمعية، ويتحول من إعلام رائد مهنيا ومعرفيا إلي إعلام باهت و'عبيط' لا يستطيع حتي أن يدافع - بحصافة - عن النظام في أزماته، وهو الأمر الذي كشفت عنه مجزرة غزة الأخيرة، حيث ظهر عريانا حتي من ورقة التوت!!!

ماذا أكتب وماذا تفيد الكتابة .. والمواطن المصري قد أصبح منتهك الحقوق، يهان يوميا وهو يبحث عن قوته، ويهان في المترو والأتوبيس والمخفر ولا حصانة لبيته أو حياته الشخصية أو هاتفه أو حتي عرضه المعرض للانتهاك في الطريق العام بلا رادع أو محاسب؟!

ماذا أكتب وماذا تفيد الكتابة والدولة لا تكترث بما نكتب، وتصنع أذنا من طين وأخري من عجين تاركة كتٌاب الوطن 'يصرخون' دون مجيب أو معقب لنصبح نحن الكتاب جزءا من الديكور الديمقراطي علي الطريقة الأمريكية؟!

هل أصابني اليأس؟! .. هل سأكف عن الكتابة؟!

لا .. إنها مجرد 'آه' علنية .. لأعلن بعدها أنني سأكتب وأكتب وأكتب حتي ينبلج فجر أنا من المؤمنين بقدومه .. فالفجر القادم قادم ولو كره الكارهون

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 2-2-2009

رؤيا - صامدة كجبل الجليل


هاهي ذي تقف شامخة.. بينما يرتعد المزيفون والمنافقون والخائفون والقتلة.. تنزف.. وتقصف بيوتها.. ويستشهد أطفالها.. وترمل نساؤها وهي كعهدها صابرة.. واقفة كالأسطورة تقدم الشهداء.. وتحمي الأرض وتفتح صدرها لنيران العدو المتمترس خلف آلة القتل.. بينما أصحاب الياقات المنشاة في غرفهم الدافئة يتابعون المشهد الدموي وهم يتسلون بالمقرمشات الطازجة أو المكسرات الفاخرةويكتفون بمصمصة الشفاه أو يرسلون عبر 'الكريدت' بعض ملاليم من حساباتهم المكدسة في بنوك يديرها الصهاينة في عواصم العالم.



واقفة كالطود صامدة.. تحاصرها نيران الصواريخ والقنابل والمدفعية والطائرات، لكنها ماضية إلي هدفها.. تحنو علي أشجار البرتقال، وتدعو من قلبها أن يسدد خطي شبابها المقاتل الذي يتسلل في عمق الليل ليدمر آليات العدو الجبان الذي يخشي حتي الآن دخول مدينتها الباسلة ويحتمي بآلياته خوفا من مواجهة أبنائها وجها لوجه .. تنظر إلي الأفق تستشرف آفاق النصر القادم قابضة علي جمر قدرها التاريخي.. مستدعية تاريخها الحافل بالمقاومة والصمود والبطولة منذ صلاح الدين حتي ثورة أطفال الحجارة.. غير عابئة بخلافات السادة صنائع العدو الذين يتحركون بالخيوط كالعرائس لاستكمال ديكور المشهد الديمقراطي الأمريكي.


تسرع لتنقذ امرأة جاءها طلق الولادة تحت القصف لتأتي ببشارة مولود جديد سيحمل السلاح ليحرر فلسطين من النهر إلي البحر، وتهرع لنجدة أم مات أطفالها تحت ركام البيت الذي قصفته طائرة جبانة.. وتضمد جراح طفلة جميلة هربت بعروستها من قصف المدفعية العشوائي.. تغني للمقاتلين أنشودتها المفضلة التي اطلقتها منذ النكبة هامسة 'عائدون إنا لعائدون' وتحكي في حنو لأطفال مات آباؤهم تحت القصف حكايات الآباء والأجداد الذين استشهدوا ولم يتركوا الأرض ودافعوا عن العرض حتي النفس الأخير.

كجبل الجليل واقفة في جلال وشموخ توزع الحلوي علي الأطفال والسلاح علي المقاتلين.. إنها غزة التي ستنتصر في النهاية، وستفتح بوابة الفجر الذي سيشرق علي البيارات وحقول الزيتون وأشجار الليمون، وسترسم ملامح الغد القريب وستلقي بالمزيفين والمنافقين والخائفين والقتلة في مزبلة التاريخ


بقلم  أسامة عفيفى
جريدة الاسبوع فى 16 يناير 2009



مقدمة كتاب المعلم يعقوب

رغم إجماع مؤرخى التاريخ المصرى الحديث على "خيانته" لتعاونه مع المحتل، ورغم أن وثائق المحتل نفسه قد كشفت دوره فى التآمر على المقاومة الشعبية خلال ثورتى القاهرة الأولى والثانية، إلا أن المعلم يعقوب "قائد ما سمى بـ"الفيلق القبطى" التابع لجيش نابليون مازال محور جدل ونقاش ... فالبعض حاول ويحاول أن يصوره للأجيال الجديدة كرائد للتنوير، وكثائر على الظلم العثمانى والمملوكى، وإنه صاحب رؤية ونظرية ترى إمكانية التحالف مع الفرنسيين لإدخال الديمقراطية والعدالة فى المجتمع العربى ...

ورفع الظلم عن كاهل الإنسان المصرى!!! مع أن الحقيقة غير ذلك تماما، وفى محاولة لوضع الأمور فى نصابها الحقيقى وإظهار الحقيقة حفاظا على ذاكرتنا من التشويش الذى تستهدفه جهات عديدة لأغراض ليست وطنية . . . نعيد نشر هذا الكتاب للعالم الراحل الكبير د. أحمد حسين الصاوى ... والذى الفه فى منتصف الثمانينات للرد على تلك المقولات الزائفة خاصة أن الرجل أعتمد على كثير من الوثائق الإنجليزية والفرنسية التى كشفت دوره منذ ما قبل الإحتلال بل وتعاونه مع المماليك ضد أبناء جلدته المصريين من مسلمين وأقباط، موضحا موقف "الكنيسة المصرية" الوطنى من الإحتلال الفرنسى، وموقفها منه شخصيا منذ تعاونه مع المماليك وحتى تعاونه مع الفرنسيين وخروجه معهم مهاجرا إلى فرنسا بطلب شخصى منه حتى لا يفتك به أبناء وطنه جزاء خيانته لهم.


ورغم أهمية كتاب الدكتور الصاوى إلا إنه لم يستطيع أن ينشره بعد تأليفه، وطبع طبعة محدودة نفذت فى حينها، وأصبح الحصول على نسخة منه أمرا مستحيلا، ولقد أعاد الراحل الكبير رجاء النقاش الإعتبار للكاتب والكتاب عندما أعتمد فى تفنيد رأى لويس عوض عن المعلم يعقوب... ونتيجة لما كتبه رجاء النقاش عن كتاب الدكتور الصاوى بدأ المثقفون يبحثون عنه فى المكتبات بلا جدوى، وإقترحت على عمنا رجاء النقاش أن يعيد نشره فى سلسلة "ذاكرة الكتابة" التى تصدر عن هيئة قصور الثقافة وكان يرأس تحريرها ... فقال لى ضاحكا ... يرحمه الله إنها فى دائرة تخصص سلسلة "ذاكرة الوطن" ومنذ هذه المكالمة وأنا أعتبر أن إعادة إصدار هذا الكتاب إحدى وصايا أستاذنا رجاء النقاش قبل رحيله مباشرة فضلا عن كونه إعتبار لإستاذ الأساتذة د. أحمد حسين الصاوى الذى لم يعد يذكره احد ... ورغم إنه رائد من رواد الإعلام ومؤسس لأغلب أقسام الإعلام فى الوطن العربى، فضلا عن دوره فى التأريخ للطباعة والصحافة.

وترجع أهمية كتاب الدكتور الصاوى "المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة" إلى أن الرجل أراد أن يقدم بشكل علمى الحقائق كما هى، وسعى لتمحيص الآراء المختلفة من خلال الوثائق والمراجع والشهادات وخرج بمجموعة من الحقائق الهامة والتى أرى أن أهمها توضيح موقف الكنيسة القبطية المصرى الوطنى من الإحتلال الفرنسى، وإن تسمية جيش يعقوب بأسم "الفيلق القبطى" كان الغرض منه إثارة الفتنة الطائفية فى حين أن الكتاب يكشف لنا بالوثائق أن هذا الفيلق كان يضم مجرمين سابقين من المسلمين والمرتزقة من خارج البلاد من أرمن وأتراك، ,إنه ضم على حد تعبير الجبرتى الذعر والحرافيش من المنسر إلى جانب شزاز النصارى الوافدين، ولفظ "النصارى" فى الأدبيات التاريخية يعنى المسيحيين غير المصريين" فالمسيحيين المصريين كان يطلق عليهم مصطلح "الأقباط" بل أن الدكتور الصاوى يكشف لنا فى كتابه الهام عن دور "المعلم يعقوب" فى العمل مع المماليك فى جمع الضرائب والجزية من الفلاحين والأقباط فى الصعيد، وغلظته وشراسته فى التعامل مع الفلاحين المصريين سواء كانوا مسلمين أم أقباط، ولقد أعتمد الدكتور الصاوى على مرجع قبطى هام هو "تاريخ الأمة القبطية" ليعقوب نخلة روفيله الذى أفرد فصلا خاصا لعلاقة "المعلم يعقوب" بالمماليك ثم الفرنسيين، ولقد تفرد "روفليه" بخبر حرمان الكنيسة للمعلم يعقوب من التناول لأنه خرج عن تعاليم الكنيسة، وأتخذ له "جارية" غير زوجته تشبها بالمماليك...فضلا عن الشكاوى التى كانت ترد إلى الكنيسة من رعاياها الأقباط فى الصعيد من سوء معاملته... يتفرد أيضا "روفيلة" بموقف الكنيسة الوطنى الواضح منه بعد تشكيله للفيلق القبطى بأوامر من نابليون، وإعتبار الكنيسة أن ذلك الموقف تعاون مع ممثل "الكاثوليكية" – نابليون – والذى ترى الكنيسة أنه خروج واضح عن تعاليمها.


الكتاب الذى بين أيدينا يناقش بشكل علمى يعتمد على الوثائق العربية والأجنبية ليحسم بشكل لا يقبل الجدل حقيقة "المعلم يعقوب" الذى يريد البعض الآن أن ينصبه "ثائرا وتنويريا" فى محاولة لطمس الذاكرة الوطنية، وإشاعة مفاهيم غير وطنية منها أن التعاون مع العدو ممكنا بل أن "الخيانة" نفسها يمكن أن تكون وجهة نظر

 - بقلم رئيس التحرير أسامة عفيفي

برديات الوحدة الوطنية


إنها برديات نادرة.. وطريفة «موحية ومهمة» ورغم قلة عدد العروض منها فإنها تمثل في اعتقادي كنزًا غاليا، وقيمة وطنية مهمة.. فما أن شاهدت المعرض الذي نظمته سفارة النمسا بمكتبة الإسكندرية شعرت بسعادة غامرة.. فالمعرض الذي يضم حوالي 30 بردية مصورة من مقتنيات متحف فيينا يلخص تاريخ الوحدة الوطنية في مصر المحروسة منذ القرن الثاني الهجري..


ورغم أن منظم المعرض هو السفارة النمساوية فإنه يصب مباشرة في مجري الوحدة بين المسلمين والمسيحيين منذ بدايات الفتح الإسلامي وحتي القرن الرابع الهجري، ولعل أهمية المعرض ترجع إلي أن من نظمه جهة أجنبية محايدة رأت أن لديها وثائق دالة فعرضتها.. المعرض أقيم تحت عنوان «المسلمون والأقباط في لقائهم الأول» ويضم برديات توضح العلاقة بين مسلمي مصر ومسيحييها منذ القرن الثاني الهجري وحتي الرابع..


أطرف هذه البرديات رسالة أرسلتها سيدة أعمال مسلمة إلي وكيل أعمالها المسيحي تطلب منه إنجاز بعض الأعمال والرسالة مليئة بعبارات المودة والألفة والحميمية، وليس بها أية «عنجهية» أو «تسلط» إنها أقرب إلي الرسائل الاخوانية الشهيرة وتنفي أي عنصرية بين الطرفين..


رسائل عديدة وفواتير وصكوك كلها تصب في خانة التسامح والتآخي بين المسلمين والمسيحيين خلال هذين القرنين.. المعرض يعد وثيقة تاريخية مهمة وشاهدا موثقا علي التسامح والحميمة بين عنصري الأمة.. وأعتقد أن دار الكتب مليئة بالمخطوطات والبرديات التي تؤكد ذلك، لكن أهل الوثائق في مصر يحرصون فقط علي تخزين هذه البرديات وليس نشرها.. رغم دلالاتها الوطنية المهمة..


ولا أجد في مواجهة «أمناء مخازن التراث» إلا أن أشكر سفارة النمسا، علي هديتها الغالية للشعب المصري التي أكدت تسامحه ووحدته الوطنية.. وأتمني أن تعرض هذه البرديات في القاهرة حتي يراها أمناء مخازن التراث علهم يزيلون الغبار عن بردياتنا الوطنية المخزونة

 بقلم أسامة عفيفى 
جريدة الموقف العربى فى 28-5-2009

رؤيا - مسحراتي الوطن


لست ممن يتعلقون بأهداب الماضي، كما أنني لست ممن يرون أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، فالتطور والتقدم يؤكدان أن أكمل وأجمل الأشياء لم تأت بعد، وأن الماضي مجرد حلقة ستؤدي إلي مستقبل أجمل وأفضل مهما كان الواقع هزيلاً، أو متردياً.


ورغم الإيمان الشديد بالمستقبل أجدني مطالباً بأن أدعو لتثمين الرائع والرائد والمحترم من إبداعات مبدعي الماضي خاصة تلك الإبداعات التي أصبحت علامة من علامات الشخصية الوطنية ولعل من أبرزها مجموعة من الإبداعات المرتبطة بشهر رمضان فما أن يهل الشهر الفضيل حتي ينطلق صوت محمد عبدالمطلب بأغنيته الشهيرة «رمضان جانا» فلقد أصبحت هذه الأغنية بمثابة الإعلان الحقيقي عن قدوم الشهر وعلامة من علامات ليلة الرؤية شأنها شأن المسحراتي للثنائي سيد مكاوي وفؤاد حداد..


وهذا العمل بالذات أصبح من «التراث الإذاعي» الإبداعي الذي لا ينبغي أن يمس من ناحية ولا أن يحاول أن يحاكيه أحد، من ناحية أخري فلقد أصبحت الفكرة ملك تاريخيا للرائد فؤاد حداد، الذي أعطاها قالبها كما أعطاها سيد مكاوي شخصيتها هذا فضلاً عن أن فؤاد حداد كتب ما كتب متناولاً هموم وآلام وأفراح وأحلام الوطن منذ عام 1964 وحتي رحيله أي أن مكتبة الإذاعة والتليفزيون تذخران بمئات الحلقات التي تتواكب حتي الآن مع قضايا الوطن وتحذر وتنبه وتوقظ النيام وتحذر بإبداع منقطع النظير لا يستطيع أن يباريه فيه أحد..


لذا فإنني أري أن يتجه الشعراء الآن لكتابة وابتكار أشياء أخري كالأوبريت الإذاعي الرمضاني، أو يقدموا لنا أغاني رمضانية جيدة جديدة، وألا يقلدوا أو يحاكوا مسحراتي فؤاد حداد..


فكفة إبداعه ستكون الأرجح وستكون أعمالهم مهما أخلصوا أو أبدعوا مجرد صدي لمسحراتي المواطن الكبير «فؤاد حداد» الذي ظل منذ منتصف الستينيات يوقظ النيام، ويشحذ الوجدان، ويعزف علي أوتار الهوية معلياً من شأن حب الوطن، ناشراً حب المعرفة ومحبة نورها الذي هو من نوره سبحانه وتعالي. رحم الله فؤاد حداد وسيد مكاوي، اللذين سيظلان يسحران الناس إلي يوم الدين بإبداعهما الجميل.. فالجمال لا يفني

أسامة عفيفى
جريدة الموقف العربى
 

رؤيا - فاروق حسني ومعركة اليونسكو


اختلف كما شئت مع سياسات فاروق حسني الثقافية .. واعترض كما تريد - وأنا معك - علي منهج المهرجانية الذي رسخه في الحياة الثقافية المصرية .. لكنك لن تختلف علي كونه مثقفا وطنيا التزم طوال توليه مسئولية وزارة الثقافة باجماع الحركة الثقافية العربية ضد التطبيع مع إسرائيل، ورغم الضغوط السياسية محليا ودوليا استطاع تجميد الاتفاقيات الثقافية مع العدو الصهيوني بشكل حاسم وحازم، وهو الأمر الذي يحسب له ويضاف إلي إيجابياته.



ولأنه كذلك بدأت إسرائيل حملة مسعورة لتحريض أمريكا علي الوقوف ضد ترشيحه لإدارة اليونسكو، وبدأت بالفعل أمريكا بالهجوم والضغط علي دول الاتحاد الأوربي لسحب وعودها بانتخابه، ولو حتي بسحب دعمها لميزانية اليونسكو البالغة ٢٢٪ من ميزانية المنظمة الدولية إذا ما انتخب فاروق حستي مديرا لها.



هذه الحملة المذعورة التي تقودها أمريكا وإسرائيل جاءت مباشرة بعد قرار مؤتمر وزراء الثقافة العرب في دمشق باعتبار فاروق حسني المرشح العربي الوحيد للمنظمة الدولية، وهو الأمر الذي أزعج أمريكا وإسرائيل لأنه سيسهل فوزه إذا ما انضمت الدول الافريقية ودول أمريكا اللاتينية .. إذ أن ذلك يقرب المسافة من مقعد مدير اليونسكو لمرشح عربي مسلم مناهض للتطبيع .. ورغم عدم تأثير إسرائيل في المعركة، ورغم ان أمريكا لا تملك أصواتا كثيرة في الانتخابات .. إلا أن التلويح بسحب الميزانية له تأثيره الخطير علي سير المعركة .. خاصة انها أصبحت معركة واضحة المعالم .. واضحة الأطراف .. فأمريكا وإسرائيل لا تريدان مرشحا عربيا مصريا مسلم في المنظمة الدولية، ولا تريدان من يعترض علي سياستها في المنطقة .. والموقف البديهي الآن هو مواجهة هذا الموقف العنصري ودعم فاروق حسني للوصول إلي هذا المنصب المهم ..



وأري أن من واجب الحركة الثقافية في مصر والوطن العربي أن تطالب الحكومات العربية بالإعلان عن استعدادها لدفع نسبة 'أمريكا' في المنظمة إذا امتنعت واشنطن عن دفعها فعلا ولابد أن يكون الإعلان عن ذلك سريعا حتي لا يترك المرشح العربي وحيدا أمام ابتزاز أمريكا وإسرائيل لأنهما ضد وجود أي مرشح عربي أساسا.



المعركة واضحة الأطراف لذا أري - ومن موقع المعارض لسياساته الثقافية - أن المطلوب هو الانحياز الواضح لدعم فاروق حسني في مواجهة العنصرية الصهيونية الأمريكية .. فهذا ليس وقت تصفية الحسابات الصغيرة .. فهل نفعل؟!! .. أتمني

بقلم أسامة عفيفى 
جريدة الإسبوع فى 26-12-2008

رؤيا - نابليون.. وإهانة الكرامة الوطنية

لا يختلف اثنان علي ان معرض 'بونابرت في مصر' المقام حاليا في باريس: اهانة بالغة للكرامة الوطنية: خاصة انه يأتي كاستمرار لمنهج الاحتفالية التي نظمها اصدقاؤنا الفرانكوفونيون بالاشتراك مع الحكومة الفرنسية بمناسبة مرور 200 عام علي الحملة الفرنسية ، وهي الاحتفالية التي عارضتها الحركة الثقافية وادانها الكتاب والمبدعون في حينها ورغم ان احتفالية بونابرت في مصر الحالية


استمرار لنفس المنهج الا أنها مرت مرور الكرام ولم يتوقف عندها الا عدد قليل من الكتاب رغم انها جارحة ومهينة لكل مصري، وتحتفل بالاستعمار والمستعمر خاصة ان هذه الاحتفالية تأتي في اطار الدور الجديد الذي يحاول 'ساركوزي' ان يلعبه لتهيمن فرنسا في عهده الميمون علي شواطئ المتوسط في اطار ما يسمي باتحاد المتوسط، فالرجل مازال يحلم بحلم الاسكندر، والامبراطورية، النابليونية العنصري، ويحاول ان يمرره تحت شعارات براقة من بينها مواجهة العولمة وتقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة وغيرها من الشعارات التي تبدو براقة من الخارج ، لكن في باطنها الكثير من العنصرية والرغبة العارمة في عودة الاستعمار الفرنسي إلي المستعمرات القديمة.. انها تسويق 'فرنسي انيق' للاستعمار الجديد تحت شعارات تبدو براقة للسذج من محبي فرنسا بلاد الجن والملائكة.. انها العنصرية الجديدة التي قالت عنها زميلتنا شاهيناز عبيد: 'ان رائحة العنصرية الاستعمارية الفرنسية كريهة جدا، لكن رائحتها لم تظهر بعد لأن في باريس برفان كثير'!!

الأخطر ان الاحتفالية التي تمت بالتنسيق بين معهد العالم العربي والحكومة الفرنسية ووزارة الثقافة المصرية امتلأت بقطع الآثار المصرية التي سرقها جنود الحملة الفرنسية من مصر علي حد تعبير زميلتنا مني شديد في موضوعها بجريدة الموقف العربي الاسبوع الماضي فضلا عن هيمنة روح الانتصار النابليوني علي الشعب المصري من خلال اللوحات التي رسمها له فنانو الحملة الفرنسية وهو يمتطي جواده امام 'ابو الهول' وفوق قلعة صلاح الدين الايوبي، بالاضافة الي اللوحات التي تظهر انسحاق المصريين وركوعهم امام نابليون المنتصر والتي غطت جدران المعرض المصاحب.

هذه اللوحات التي كرست ليبدو الامبراطور منتصرا كما انتصر الاسكندر، وهي الصورة الذهنية التي تداعب خيال السيد ساركوزي الآن.. الاطرف ان كتالوج المعرض الضخم صدر باللغة الفرنسية فقط في حين ان المتعارف عليه في مثل هذه الاحتفاليات ان يكون صادرا باللغتين العربية والفرنسية.

لكن لأنها تحت اشراف السادة الفرانكفونيين المصريين فلقد صدر الكتالوج بالفرنسية فقط لأنها اللغة التي يعرفونها!!

المعرض والاحتفالية عمل مهين للكرامة الوطنية المصرية، ومهين للتيارات الفرنسية المستنيرة التي تطالب بالحرية الحقيقية لكل الشعوب كافة خاصة حركة مناهضي العولمة والاستعمار.. انها احتفالية برموز الاستعمار البغيض في عصر يسعي نحو الحرية والمساواة الانسانية والتي تطالب فيها الشعوب بتعويضات من المستعمرين عن فترات الاستعمار.. إنها العنصرية الكريهة تعود من جديد، فهل نقف لها بالمرصاد؟! اتمني

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع فى 20-11-2008

رؤيا - وليمة يا شباب !!

'ياللا ياشباب.. وليمة يا شباب' بهذا النداء الهمجي الغرائزي الجائع نادي مجموعة من الشباب 'الفلتان' علي بعضهم البعض فينقض اكثر من مائة شاب علي عدد من الفتيات في شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين ثاني أيام عيدالفطر وسط حشود من السكان وأصحاب المحلات، واستمرت 'الوليمة' ساعة كاملة من العاشرة حتي الحادية عشرة مساء دون ان يرتدع الذئاب ، و دون أن ينقذهن أحد.



ورغم صراخ الفتيات اللائي مزقت ملابسهن وهتكت أعراضهن علانية لم تأت الشرطة إلا بعد مرور ساعة كاملة حاول خلالها أصحاب النخوة من أصحاب المحلات والمقاهي إنقاذ بعضهن لدرجة أن سيدة منقبة حاولت جذب فتاة من براثن الذئاب، فجذبوا نقابها وطروحها أرضا معرضة لدهس الأقدام.. بعض شهود العيان أكد أن عدد الفتيات كان أكثر من عشرين فتاة خرجن ليعيدن في المطاعم المنتشرة في المنطقة، وأن رقم 'خمس فتيات' الذي انفردت به الصحف الحكومية هو عدد المبلغات، اما الباقيات فلقد آثرن الصمت خوفا من القيل والقال..


القضية ليست مجرد حادث 'تحرش' ولكنها 'كارثة' اخلاقية واجتماعية وسياسية تؤكد انتهاء ما كان يسمي 'بالرادع الاجتماعي والقيمي' وتنذر بدخولنا عصرا من الفوضي والفجر - بضم الفاء - العلني، وفي مقابل هذا الفجر المجرم.. فراغ أمني حاد يجعلنا جميعا في حالة ذعر دائم علي بناتنا وأخواتنا وأهلنا!!! فحسب ما نشر في الأهرام أن الشرطة اتت بعد ساعة كاملة من طلبها مما ساعد 'الذئاب' علي ان يتموا التهام 'وليمتهم' علي هواهم..


ولم يستطع المواطنون الذين حاولوا التدخل مرارا إلا انقاذ فتاة أو فتاتين بينما كانت باقي الفتيات في قلب الوليمة تنهش اعراضهن دون مغيث!!! القضية 'كارثة مخيفة' لا تعني سوي انتهاء الرادع القيمي وانهيار هيبة الدولة.. لذلك أنا ضد كل من يلتمس لهذا الشباب 'الفلتان' اي عذر.. خاصة ان جرائد المعارضة راحت تحلل أسباب انحرافهم وترجعه الي البطالة، والمواد المثيرة التي تبث في الفضائيات وفي شبكات الانترنت، فهذا كله لايبرر الجريمة. فالجريمة 'جريمة' وهي اعذار تساوي بين 'الجزار' و 'الذبيحة' بل إن البعض القي اللوم علي الفتيات متهما إياهن بأنهن كن يرتدين ملابس مثيرة، فهل ارتداء الملابس غير اللائقة عقوبته 'الاغتصاب العلني' وتحويل المغتصبة الي متهمة؟!


الكارثة مخيفة، سببها الرئيسي 'الفراغ الأمني' الذي أغري هؤلاء الذئاب 'الفلتانين' علي القيام بجريمتهم التي قام بها شباب آخر في العيد الماضي ومرت بلا عقاب، بل عوقب من كشفها من نشطاء الانترنت.


ما الحل؟! الحل ليس في عقاب هؤلاء الذئاب فقط ، وإن كنت اطالب بأغلظ العقوبات لهم ، ولكن في عقاب المسئولين عن هذا الفراغ الأمني، ووضع خطط عملية لتواجد أمني حقيقي يطمئن الناس علي أعراضهم، والا سنتعرض لكوارث أكبر وأخطر في المستقبل القريب

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع فى 11 أكتوبر 2008

رؤيا - النقيب يدعو للتطبيع!

أذهلني ما كتبه الأستاذ مكرم محمد أحمد في عاموده بالأهرام الأربعاء الماضي، فلقد نشر رسالة قصيرة من جورج البهجوري يدافع فيها 'بسذاجة' عن سفره إلي إسرائيل، وهي نفس الرسالة تقريبا التي نشرتها بالتتابع العربي وأخبار الأدب، وبعيدا عن سذاجة رسالة بهجوري، وتهافت منطقها، أذهلني فعلا ما قاله النقيب، فلقد تنصل علانية من قرارات الجمعية العمومية بشأن التطبيع.

وقال بالنص: 'وضعتني رسالة بهجوري بين نارين باعتباري صحفيا لا يري أية ضرورات تحظر علي

الصحفيين السفر إلي أي مكان حتي إن كان إسرائيل لأن المهم أن ينقل الصحفي بعيون مصرية صورة صحيحة وأمينة لما يجري، خير من أن يظل القارئ المصري فريسة لمصادر أخبار أجنبية كثيرا ما تلون الأخبار لصالح أهداف تنشدها، لكن صفتي كنقيب للصحفيين تلزمني أن أقول للصديق جورج إن سفرك إلي إسرائيل حتي ولو من نافذة باحث يحمل شعار هيئة الأمم المتحدة أمر يتعارض مع الأسف مع قرارات سابقة للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التي تعتبر ذلك تطبيعا للعلاقات مع إسرائيل دون مسوغ حقيقي'!!

هذا ما كتبه نقيب الصحفيين، وأوردته بالنص رغم ضيق المساحة، وهو أمر 'مؤسف' يدعو للذهول، فنقيب الصحفيين يري أن قرار التطبيع 'لا مسوغ له' في حين أن الأصل هو الالتزام بقرارات الجمعية العمومية والدفاع عنها والمحاربة من أجل تحقيقها بغض النظر عن رأيه الشخصي، لأن انتخاب الجمعية العمومية له يعني ذلك..

أما التنصل من قراراتها ومهاجمتها علانية، فهو أمر مذهل لا يليق بأي نقيب، فضلا عن أنه اخلال بالتعاقد مع الجمعية العمومية التي انتخبته!! من حق الأستاذ مكرم محمد أحمد أن يعتنق ما يراه من آراء ولكن التزامه كنقيب يفرض عليه عدم 'السخرية' من قراراتها، بل يفرض عليه أدبيا عدم الجهر باختلافه معها فهو ممثل الجمعية العمومية أمام الرأي العام، وإذا كان الأستاذ مكرم لا يؤمن بهذه القرارات، فلماذا رشح نفسه نقيبا؟! ولماذا لا يستقيل ويدافع كما يشاء عن آرائه؟! القضية مؤسفة، ومذهلة، فنقيب الصحفيين يتنصل علانية من أحد أهم قرارات نقابة الصحفيين بدلا من أن يحيل بهجوري إلي التحقيق، كما ينص القرار، هذا المقال فسر لي عدم إحالة الراحل سعد كامل ونائلة كامل إلي التحقيق رغم سفرهما لإسرائيل، ورغم وجود مذكرة من المجلس السابق بشأنهما، فالنقيب يسعي علانية إلي ايقاف القرار، والتنصل منه، المسألة تستحق وقفة من الجمعية العمومية.. فهل تفعل؟! أتمني

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع فى 16-8-2008

رؤيا - تكريم إسرائيل

قالت صارخة كعادتها: 'إنتم نايمين في العسل و'إسرائيل' بتتكرم في أوربا؟!' قلت: بتتكرم! إزاي؟ وعلي إيه؟! قالت: أنا كنت في مؤتمر أدبي في 'روما' وفوجئت بكاتبة أوربية الشكل، ولكنها تتحدث العربية، تحاول أن تصادقني بالعافية: وفهمت أنها إسرائيلية، وأشادت بالبحث الذي قدمته أنا إلي المؤتمر، وطلبت نسخة منه بالعربية... ليس هذا فحسب بل وجهت لي الدعوة لأن أعيد إلقاء هذا البحث في معرض 'تورينو' الإيطالي للكتاب،



واستغربت أن تدعوني 'إسرائيلية' لمعرض إيطالي ولكنها أكدت أن المعرض يستضيف 'إسرائيل' كضيف شرف رئيسي بمناسبة 60 عاما علي تأسيسها وأن الجانب الإسرائيلي سوف ينظم ندوات ثقافية وهي إحدي المشرفات علي هذه الندوات، قلت لها: إنني مضطره لأن أوقف الحوار معها، مذكرة إياها بأنها فرضت نفسها علي وأنني لا أحاور إسرائيليين يحتلون أراضينا بقوة السلاح، خاصة أنكم الآن تقتلون الأطفال والنساء في غزة في أبشع عملية تجويع عرفها التاريخ، وتركتها تأكل نفسها من الغضب،



واستطردت الصديقة العائدة من روما قائلة: الكارثة أن معرض 'تورنيو' كان من المفروض أن يستضيف 'مصر' ردا علي استضافة القاهرة 'لإيطاليا' لكن المسئولين في وزارات الثقافة لم يتابعوا الموضوع فاستضافوا إسرائيل، وأرجأوا استضافة مصر لأجل غير مسمي.. فكأن إيطاليا تكافئ إسرائيل علي القتل اليومي في فلسطين وتساندها في حصار الأطفال والنساء في غزة:



قلت لها، لكني سمعت أن مثقفين وكتابا إيطاليين استنكروا ذلك، وهاجموه.. قالت ساخرة: وأين الكتاب العرب، وأين المسئولون في جامعة الدول العربية؟! وأين وزراء الثقافة العرب؟! أين هؤلاء جميعا؟.. قلت لها: أنت لم تقرئي حجم الاحتجاج العربي علي الحدث، سأرسل لك كل ما كتب، ضحكت ساخرة - وقالت المصيبة إن إيطاليا مش لوحدها' قلت كيف؟!



قالت 'يا أستاذ فرنسا كمان اختارت 'إسرائيل' ضيف شرف لمعرض باريس الدولي اللي حاينعقد في مارس'.. إنتم مش حاسين بحاجة.. كل اللي بتعملوه بيانات شجب وتنديد، ليه ما تكتبوش مذكرة يوقع عليها الكتاب المرموقون العرب والعالميون المناهضون للعولمة والعنصرية، وتقدم للسفيرين الإيطالي والفرنسي في العواصم العربية، ليه ما نهددش بمقاطعة البضائع الفرنسية والايطالية كرد حاسم.. ليه مانظمش احتفاليات موازية تدين العنصرية، وتعرض أفلاما حية لمجازر 'إسرائيل' في مواجهة تواجدهم، ليه نايمين في العسل؟! أمال مثقفين إزاي؟!



انتهت مكالمة الصديقة الكاتبة الغاضبة وتأملت المشهد: وسألت نفسي هل نحن حقا مثقفون حقيقيون وهل نشعر بمسئوليتنا التاريخية عن قضايا شعبنا؟!



فلماذا لا نتحرك بإيجابية لنواجه هذا المد الصهيوني؟!





ولماذا أصبح بعض مثقفينا يقدمون مصالحهم في الترجمة، والدعوات، والسفر إلي أوربا علي مصلحة الوطن؟ أسئلة كثيرة وجدتها تتراكم أمامي أهمها: متي نتحرك ونثبت أننا مثقفون جديرون بشعبنا؟

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع فى 9-2-2008

رؤيا - رائحة الموت

يأتي ليدب علي الأرض بأقدامه الغليظة: لا تراه ولا تسمع وقع خطواته ولكنك تشعر أنه هنا.. ليس فقط لأنك تري آثار وجوده بعد أن يتم مهمته، ولكن لأن رائحته التي لا رائحة لها.. تسبق حضوره بقليل، رائحة لا رائحة لها!! كيف نشعر بها إذن؟! إنها أشبه بالرائحة التي تحتل الرئتين قبل وقوع الخطر أو الكارثة تشعر بها في رئتيك.. ثقيلة.. تنطلق مع الدم.. تسري في الشرايين.. تحتل القلب فينقبض..



وتشعر بطعم الموت أسفل اللسان.. تغمض عينيك للحظة وتفتحهما فإذا بعزيز لديك قد فارق الحياة.. الأسبوع الماضي كانت رائحته تحيطني من كل جانب، نفس الرائحة التي حاصرتني يوم رحيل جدي، وجدتي، وخالي.. نفس الهواء الثقيل الذي هيمن علي صدري يوم رحيل أبي.. ويوم رحيل عبدالناصر، وفجر اغتيال صدام.. هذه الرائحة التي لا رائحة لها أحاطتني من كل جانب.. فإذا أغمضت عيني من ثقل الهواء القابض علي روحي اكتشف بعد أن افتحهما رحيل عزيز.



أغمضتهما لأقل من لحظة، فإذا بمئات الأطفال يستشهدون في حضانات الرضع التي قطع عنها العدو النذل الكهرباء في غزة.. ورأيت نساء يصرخن رعبا من جوع أبنائهن بعد أن توقفت المخابز عن إنتاج الخبز نتيجة الحصار المنحط الذي يمارسه العدو العنصري بينما تكمل السلطات العربية الحصار علي فلذات أكبادنا وأخواتنا في غزة الباسلة...



أغمضت عيني للحظة وما أن نظرت حواليٌ فإذا بواحد من خيرة كتاب جيله قد فارق الحياة بعد صراع مع مرض لم ينفع في محاصرته معركة الكتاب حول تمويل صندوق العلاج من أمير أو غفير فلقد رحل خيري عبدالجواد في مستشفي التأمين الصحي كما يرحل أبناء الفقراء بعد أن سيطرت الجلطة علي المخ الذي كان مليئا بالمشروعات الفنية والأدبية التي تتجلي من بين حكايات وحواديت أبناء الحواري والقري، رحل، بعد أن كتب عن الموت عشرات القصص الجميلة، لكنه - أي الموت - حاصر شبابه نافذا من ثقوب الاهمال والاستهانة بالإنسان لتهيمن رائحته التي لا رائحة لها علي المكان.



في نفس اليوم دخلت الرائحة نفسها إلي الصدر فإذا بأم زوجتي ترحل بعد مسلسل عبثي مع منظومة تجار الطب التي لا هدف لها إلا الربح، ليريحها ربها من الألم وتغادر هذه الدنيا - مستورة - دون أن يجرح كبرياءها أحد..



لكن رائحته التي لا رائحة لها مازالت تحتل الرئتين، ومازال الشباب والأطفال والنساء يحصدون فرادي وجماعات في بغداد وفلسطين فمتي تتوقف هذه الرائحة العبثية ويعيش الإنسان إنسانا بلا ألم ويرحل عندما يشاء خالقه موفور الكرامة والكبرياء؟!

 بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع فى 26 / 1 / 2008

رؤيا - خرافة الزمن الجميل!!

أعرف أن هذا العنوان سيستفز أصدقائي من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، فلقد استقر في الوعي العام أن حقبتي الخمسينيات والستينيات تمثلان فردوسا مفقودا في مجالات الحياة المختلفة، وكنت مثلهم أري ذلك حتي وقت قريب، ولكنني وجدت نفسي فجأة أتأمل تلك المقولة: 'أي مقولة الزمن الجميل' وبعد تأمل عميق وجدتني أصرخ صائحا علي غرار صيحة عمنا أرشميدس الشهيرة: 'وجدتها.. وجدتها' فماذا وجدت حقا؟!! المفارقة حدثت عندما سألت نفسي سؤالا غريبا لم أسأله من قبل؟! هل يصبح

الزمن الماضي جميلا لأن ما نعيشه قبيح؟!



ووجدت علم النفس الاجتماعي يجيب إجابة صادمة وهي: عندما يعجز المجتمع عن تحقيق سعادة وكرامة الإنسان.. ينسحب وجدان المجتمع إلي الماضي وينظر إلي كل قديم علي أنه الأجمل.. إنها الرغبة في الإنسحاب من القبح.. إلي الأقل قبحا، علي اعتبار أن الكون يتجه إلي الفساد وعندما يعجز الإنسان علي كبح جماح الفساد يتعلق بأمجاد الماضي.. بل وينسي أي قبح فيه فتجد البعض مشدودا إلي إنجاز الفراعين والحضارة الفرعونية التي ألهت الملوك..



ويتناسي الظلم الاجتماعي، الذي وقع علي الشعب، تجده يتحدث عن رمسيس وخوفو وتحتمس وغيرهم وهو لا يعرف شيئا عن الفلاح الذي كان مقهورا ومظلوما، نفس الشيء حدث في مسلسل 'الملك فاروق'، فلقد قدم الرجل علي أنه نبيل وطيب ولم يظهر في المسلسل 'حافي' واحد من شعب 'الحفاة' الذي حكمه فاروق وكان مشروعه القومي هو 'القضاء علي الحفاء'



ولم يطرح المسلسل مشكلة 'السخرة' التي كان يعاني منها فلاحو الخاصة الملكية الذين كانوا يعملون في أرض الملك الشاسعة دون مقابل الأخطر هو إطلاق مصطلح الزمن الجميل علي 'الحقبة الناصرية' لمجرد أن ما نعيشه ملئ بالتفريط وبالتالي تصبح أطلال التجربة الناصرية حائط مبكي للناصريين والقوميين في حين أننا كنا ننتقد التجربة في حينها، ونري عيوبها القاتلة التي استغلها أعداء الثورة لتقويض التجربة كلها.. وهو ما حدث بالفعل وبالتالي ننظر نحن الناصريين إلي التجربة من خلال إيجابياتها فقط لأن الزمن الحالي ملئ بالإهانة والظلم وهدر الكرامة.



ولأن الواقع قبيح.. يصبح الماضي الناصري 'فردوسا مفقودا' نبكي علي أطلاله دون أي محاولة للتغيير.. بكاء 'العجز' فينطبق علينا قول الإمام الشافعي: 'نعيب زماننا والعيب فينا.. وليس لزماننا عيب سوانا' أي أن مقولة 'الزمن الجميل' مقولة رجعية.. تصدر عن عجز النخبة في تغيير الواقع.. أي أنها خرافة صدقناها لنستر عجزنا العاجز.. 'فالزمن الجميل' ليس جميلا تماما كما تروج تلك المقولة!!

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع 15/ 11 / 2007

رؤيا - الصوت 'غير الإسلامي'


مكانة الأستاذ مكرم محمد أحمد المهنية والنقابية، ورغم أن للرجل مواقف مهنية ونقابية واضحة منها مثلا توقيعه علي مشروع قرار الجمعية العمومية بإدانة مصادرة وإغلاق صوت العرب والموقف العربي وضرورة عودتهما وحل مشاكل العاملين بهما..وهو القرار الذي استطاع النقيب جلال عارف ويحيي قلاش سكرتير عام النقابة ومصطفي بكري تفعيله بعد صدور حكم القضاء لصالح الموقف العربي، والتفاوض مع المجلس الأعلي للصحافة من أجل إعادة إصدار المجلة التي صدرت وتمارس دورها حاليا



رغم ذلك كله إلا أن الاعلان قبيل هذه الانتخابات عن هذه الزيادة التقليدية أحزنني وجرح مجددا كرامتي المهنية وأكد لكل ذي عينين أن الحكومة تسعي لفرض هيمنتها علي النقابة بطريقة 'قبيحة'، ولو أن الأستاذ مكرم محمد أحمد وعد بهذه الزيادة أثناء الحملة الانتخابية، وأتي بها بعد فوزه لكان ذلك أكرم له ولنا.. صحيح أن هذه الزيادة هي بعض حقنا المهضوم، لكنها بهذه الطريقة تمثل جرحا للكرامة المهنية..



ومثلما استفزتني هذه 'الزيادة التقليدية' استفزني أيضا ما نشرته الصحف عن وجود 'جمعية عمومية لصحفيي الإخوان' تجتمع وتصدر القرارات والبيانات وتؤيد وتهاجم وتشترط... وكأن هناك نقابة صحفيين 'إخوانية' موازية للنقابة الشرعية، بل لقد علمت أن أحد أعضاء مجلس الشعب من الإخوان يجلس في كافتيريا النقابة ليدير معركة الإخوان الانتخابية!!،



الأكثر استفزازا هو العبارة التي وضعها مرشحو قائمة الإخوان والتي تصف المرشح بأنه 'الصوت الإسلامي' في نقابة الصحفيين وهي العبارة التي تعني أن باقي المرشحين 'صوت غير إسلامي' والتي قد تدفع مرشحا 'مسيحيا' مثلا لأن يكتب بجوار اسمه 'الصوت المسيحي' والحمد لله أن النقابة ليس بها 'يهود' حتي الآن..



المسألة جارحة ومستفزة.. وتستدعي وقفة حاسمة من الجمعية العمومية لمنع أية شعارات 'دينية' في انتخابات النقابة التي تتسع للجميع، ومثلما أرفض التدخل الحكومي السافر في انتخابات النقابة أرفض التدخل الإخواني الحزبي، وأي تدخل حزبي من خارج النقابة..



النقابة هي نقابة الصحفيين جميعا بمختلف اتجاهاتهم ودياناتهم وأي إشارة دينية هي سلوك 'عنصري' وطائفي ليس مكانه أعرق نقابة للرأي في الوطن العربي والشرق الأوسط، وينبغي أن يرفع الجميع حكومة ومعارضة أيديهم عنها لتبقي واحة للاستقلال والتعدد الجميل

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 7 / 11 / 2007

رؤيا - رحلة تطبيع عائلية

أصيب الرأي العام في مصر المحروسة بصدمة قاسية عندما استمع علي الهواء مباشرة ولآراء الشباب المصري الذي يعيش الآن في 'إسرائيل' ويعمل ويتزوج ويخدم في جيش 'العدو' مبررا ذلك بأن الدولة في مصر لم تقدم له شيئا، بينما قدمت له 'إسرائيل' كل شيء!!



ورغم أن عدد 'المصريين الإسرائيليين' يتزايد، ورغم خطورة هذا الكيان الجديد علي الأمن القومي، وعلي مستقبل الصراع إلا أن صدمتي كانت أكبر وأنا أقرأ الحوار الذي نشرته 'البديل' مع المخرجة 'نادية كامل' التي قررت السفر إلي 'إسرائيل' للبحث عن جذورها وأخرجت فيلما تسجيليا يسجل رحلتها المشتركة مع أبيها الكاتب سعد كامل وأمها الكاتبة نائلة كامل وأقارب أمها من اليهود الذين استوطنوا 'فلسطين المحتلة' مؤكدة أنهم 'ياعيني' أجبروا من السلطات 'الناصرية' 'المفترية' علي الهجرة إلي 'إسرائيل'، إنهم أناس مصريون طيبون ومشتاقون إلي مصر!!



مع أن أغلب الدراسات التي تناولت اليهود المصريين تؤكد أن أغلب اليهود الذين عاشوا في مصر هاجروا إلي أوروبا وأمريكا وأن الذين هاجروا إلي 'إسرائيل' منهم كانوا منظمين في خلايا 'صهيونية' ومتحمسين لإقامة دولة 'إسرائيل'..



المفجع في الأمر أن هذه 'الرحلة العائلية التطبيعية' ليست مجرد رحلة تقوم بها أي عائلة ولكنها عائلة يسارية مؤسسها واحد من المثقفين المرموقين وأحد مؤسسي 'ثقافة الهوية' أي أنه هو وأسرته يخرق 'بوعي شديد' قرار الحركة الوطنية بمناهضة التطبيع.. والسفر إلي الكيان الصهيوني 'مجرد السفر' أيا كانت أهدافه 'تطبيع صريح لا لبس فيه'



ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكنه يصل إلي التبشير بإمكانية التعايش بين الكيانين العربي والصهيوني بدعوي وجود أواصر الدم والقربي، ويحاول تزيين التاريخ وتحسين صورة 'اليهودي الصهيوني' الذي اختار احتلال فلسطين.. وهو ما يقوله الفيلم ببساطة ولذلك استحق أن يحصل علي جائزة فورية من مهرجان الفيلم العربي 'المشبوه' في أمريكا.



الصدمة الكبري التي عاجلتني.. هي الاحتفاء 'اليساري' بالفيلم وصاحبته، ودعوة البعض لأن نعيد النظر في الثوابت واعتبار ما قامت به 'العائلة' مجرد 'وجهة نظر' يمكن أن نناقشها!!

فلماذا إذن ثارت نفس الأقلام ضد نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم اللذين لم يسافرا إلي 'إسرائيل' وقابلا فقط بعض النقاد الإسرائيليين؟ ولماذا أدانت 'علي سالم' الذي سافر من قبل..؟



التطبيع ليس فيه 'خيار أو فقوس' السفر إلي 'إسرائيل' تطبيع واضح، وينبغي للحركة الثقافية أن تقف ضد 'رحلة هذه العائلة' وفيلمها وادعو نقابة الصحفيين واتحاد الكتاب ونقابة السينمائيين للتحقيق في الأمر، فرحلة هذه العائلة أول عمل تطبيعي موجه ضد 'الضمير الثقافي الوطني' دون مواجهة حقيقية.. فهل تتحرك النقابات لمواجهته؟! أتمني

 بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع فى 3 / 11 / 2007

رؤيا - وحدة الصف الصحفي


هيمنت أجواء المنافسة الانتخابية علي معركة إلغاء مواد الحبس من قانون العقوبات الخاصة بالنشر، وتاهت المعركة الرئيسية وسط فوضي التراشق بالاتهامات والدس الحكومي بين الصحفيين، والساعي إلي شق الصف الصحفي، الذي توحد بعد صدور أحكام الحبس علي أربعة من رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية، وإحالة إبراهيم عيسي إلي المحاكمة بعد نشر أخبار غير صحيحة عن صحة السيد الرئيس..



فلقد اشعلت هذه الاجراءات الرأي العام، وتنادت القوي الوطنية، واجتمعت إرادة الصحفيين علي التصدي بحزم لهذه الهجمة الشرسة والمطالبة بتحقيق 'الوعد الرئاسي' الخاص بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر كافة..



وجرت مشاورات بين نقابتي المحامين والصحفيين واتحاد الكتاب لتشكيل جبهة عريضة مطالبة بمزيد من حرية التعبير، خاصة أن هذه العقوبات تطال أصحاب الرأي والقلم كافة فكل صاحب رأي سواء كان محاميا أو صحفيا أو ممثلا أو فنانا تشكيليا معرض للحبس وفق بنود هذه القوانين



ورغم هذه الصحوة التي شكلت التفافا علي حرية الرأي والذي أدي إلي تراجعات حكومية تمثلت في صدور تصريحات تدعو للتهدئة وتطالب بالحوار وتشير إلي احتمال تراجع الحكومة عن موقفها المتصلب الشرس.. ورغم قوة تأثير الاحتجاب الاحتجاجي للصحف والمجلات المستقلة والحزبية الذي كان له تأثيره المدوي محليا وعربيا وعالميا..



والذي تزامن مع تنامي الدعوة لأن تكون النقابة هي مرجعية الصحفيين تحاسبهم وفق ميثاق الشرف الصحفي والدعوة إلي تفعيل هذا الميثاق وهو الأمر الذي يتطلب سحب الدعاوي المقامة ضد الصحفيين أولا لتحاسبهم النقابة. مع مطالبة الدولة بإلغاء عقوبة الحبس نهائيا من قوانين النشر كافة.



رغم ذلك كله والذي أعتبره إنجازا هاما لأبناء المهنة. بدأت أجواء المنافسة الانتخابية تسيطر علي المشهد، وتسللت الحكومة تحاول اشعال الفتنة بين أبناء النقابة، ولقد جاء قرار جميع رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية بالاحتجاب الاجتجاجي ليقف أمام هذه الفتنة بقوة وحزم حتي المختلفين مع توقيت الاحتجاب التزموا بالقرار ليفوتوا الفرصة علي أصحاب المصلحة في شق الصف الصحفي.. لكن مع تنامي المنافسة الانتخابية بدأت القضية تفتر،



وبدأت الحكومة تتراجع عن حماسها في الحوار وسحب القضايا.. بل إنها بدأت تستأسد من جديد وتصر علي بقاء القوانين سيئة السمعة.. هذا كله يحتاج إلي وقفة جادة تتمسك بوحدة الصف الصحفي من جديد لأن المعركة هي معركة الحرية وسيف الحبس مشهر
علي رءوسنا جميعا فهل نفعل؟! أعتقد اننا لن نستسلم

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 20 / 10 / 2007

رؤيا - درس الأهلي والزمالك

أنا أهلاوي، وعائلتي كلها تشجع الأهلي العريق منذ أن أنشأه الوطنيون في مواجهة أندية الأجانب والاستعمار .. وأعتبر انتصاراته انتصارات شخصية تماما كما أعتبر انكساراته انكساراتي .. ورغم انحيازي غير المحدود للأهلي، لكني غير مولع بكرة القدم ونادرا ما أشاهد مباراة بين أي فريقين حتي لو كان أحدهما النادي الأهلي!! .. لكنني أحرص كل الحرص علي مشاهدة مباريات الأهلي النهائية في لقاء عالمي كما أترك أي شيء لأتفرغ تماما للقاء الأهلي مع الخصم التقليدي اللدود: نادي الزمالك ..



وفي المباراة الأخيرة جلست في بيت العائلة الكبير بالجيزة، حاشدا مشاعري 'الأهلوية' تاركا كل شيء لأستمتع بالمباراة الحاسمة، فطعم نهائي 'الكأس' يختلف عن طعم أي مباراة أخري خاصة عندما تكون بين هذين الفريقين .. ومع مرور الوقت واشتعال المباراة التي أكد الجميع انها من أجمل المباريات أداء بين الفريقين والتي شهدت أكبر قدر من الأهداف الفنية الجميلة المصنوعة بجهد 'جماعي علمي' والتي سددها لاعبو الفريقين بجدارة..



اكتشفت 'إيقاع' المباراة الحقيقي، وتبين لي ان الفريقين يلعبان برجولة، وحماس، وتخطيط وتفكير وأيضا دون يأس، لقد قبض الفريقان ايقاع الأمل غير المحدود في الفوز، بل اشتعلا رغبة في الفوز، مهما كانت المحبطات، كان الهدف يسجل من الزمالك، فيسارع لاعبو الأهلي برجولة يا يسددوا هدف التعادل، فيسارع لاعبو الزمالك بتصميم شديد ان يرجحوا كفتهم بهدف آخر ..

وهكذا وحتي اللحظة الأخيرة كان الفريقان مصممين علي 'النصر' ..

يقتلان أي بادرة 'يأس' يشحذان في وجدانهما طاقة 'الأمل' الكامنة ..



وما إن انتهت المباراة بفوز الأهلي حتي هتفت دون وعي مني .. تماما كعمنا أرشميدس عندما اكتشف قانون الطفو 'وجدتها .. وجدتها' .. إنها 'الإرادة' هذه الأيقونة السحرية التي تستطيع مواجهة أي 'يأس' وتقضي تماما علي أي 'إحباط' ..



لقد أشعلت هذه الايقونة السحرية الطاقات والخبرات والمهارات الكامنة لدي الفريقين فقاتلا برجولة من أجل الفوز حتي آخر لحظة، طبعا كان الفريقان متسلحان بالخبرة والتخطيط، لكنهما معا كانا يعزفان علي إيقاع الإرادة السحري . فقدما أجمل مباراة في الدوري والكأس،



انه الدرس الواضح كي نخرج من أزماتنا وانكساراتنا الشخصية والعامة والوطنية والقومية .. تجلي في هذه المباراة .. فهل نقبض عليه بنواجذنا ونفعٍله في حياتنا لننتصر علي اليأس والإحباط؟!



وهل نؤمن كما آمن 'رجالة' الفريقين أن شحذ وهج الإرادة بنفوسنا هو بوابة التغيير الشرعية؟! أعتقد أن ذلك ليس بمستحيل

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 7 / 7 / 2007

رؤيا - أحلام إسرائيل أوامر

نعم॥ أصبحت أحلام إسرائيل أوامر لحكومة الحزب الوطني 'المرتعدة' فبمجرد أن أعربت السفارة الإسرائيلية عن استيائها من عرض مسرحية يسري الجندي الشهيرة 'اليهودي التائه' التي يقدمها مسرح الهناجر تحت عنوان 'القضية 2007' من إخراج حسن الوزير حتي سارعت وزارة الثقافة بوقف عرضها॥ بعد أن شهدت اقبالا جماهيريا واستحسانا نقديا।

 فلقد فوجئ مخرج العرض بقرار وقفه بشكل مباغت وأبلغ من إدارة الهناجر أن جهات عليا طلبت من فاروق حسني وقف العرض لأن السفارة الإسرائيلية تتهم مصر بأنها تقدم مسرحية 'معادية للسامية' في حين أن العرض لا يعادي اليهودية بل يفرق بينها وبين الصهيونية، ولقد أضاف المخرج إلي المسرحية الرئيسية في معالجته تطورات الواقع والهيمنة الأمريكية وتسلل الصهيونية إلي مؤسسة الرئاسة في واشنطن والمذابح المروعة التي تجري حاليا علي قدم وساق في وطننا العربي

أي أن المسرحية سياسية وليست عنصرية وتحمل وجهة نظر القطاع العريض من المثقفين والسياسيين العرب في الصراع العربي الصهيوني، بل وتعبر عن الوجدان العربي من المحيط إلي الخليج من جراء البلطجة الأمريكية والعربدة الصهيونية، وهذه المسرحية سبق لها أن حوصرت مرات ومرات فلقد رفضت من قبل رقابيا لتقديمها علي مسرح الدولة وقدمت علي مسرح السامر، وبعد ذلك رفض سفرها لتمثيل مصر في مهرجان مسرحي عربي في الثمانينيات وظلت مطاردة،

ورغم موافقة الرقابة علي عرضها في الهناجر بعد مراجعة 'المعالجة الجديدة' علي الورق، ثم اجازتها كعرض مسرحي بعد مشاهدة الرقابة للبروفة النهائية، إلا أن قرار المنع الأخير الذي جاء بناء علي طلب 'السفارة الإسرائيلية' يعد في رأيي إهانة للمؤسسة الثقافية الرسمية التي دأبت علي رفض التطبيع مع العدو الصهيوني، بل إن فاروق حسني نفسه كان قد منع فيلما إسرائيليا من العرض في افتتاح مهرجان حوارات الثقافات الذي ينظمه سمير فريد

ولقد أشادت الحركة الثقافية بقرار الوزير، واحترمت موقفه الثابت المنحاز لقرارات الحركة الثقافية فلماذا إذن رضخ الوزير هذه المرة للضغوط؟ ولماذا لم يلجأ إلي الحركة الثقافية كي تسانده في وجه اللوبي التطبيعي داخل الحزب الوطني، أم أنه لا يتذكر المثقفين إلا في أزماته الشخصية والسياسية؟!

هذا القرار ذكرني بقرار آخر لفاروق حسني خاص بمسرحية أخري هي مسرحية عمنا الراحل نبيل بدران التي أوقفت بعد البروفات لأن السفارة الإسرائيلية طلبت ذلك، في حين أن المسرحية كانت تنتقد أنصار التطبيع من دعاة الاستسلام، وقالت إنهم يقولون إن السلام أفضل لنا، ولكنه أصبح علينا

ولقد هاجمت مسرحية 'السلام علينا' آنذاك خطوات التطبيع مع عدو طامع يتوسع باستمرار وأيامها قال فاروق حسني لتبرير قرار المصادرة إنه يمثل حكومة الحزب الوطني التي تتبني سياسات السلام ولا ينبغي لوزارته أن تقدم مسرحية ضد هذه السياسات، وأنه لا مانع لديه إذا قدمت هذه المسرحية علي مسرح القطاع الخاص وهوجم فاروق حسني وحكومة الحزب الوطني آنذاك هجوما عنيفا لكن المسرحية لم تقدم لأن السفير الصهيوني كان وراء قرار المنع!!

القضية كما أسلفت مهينة للمؤسسة الثقافية الرسمية فالعرض وافقت عليه مؤسسات وزارة الثقافة كلها॥ والمنع المباغت الذي جاء بعد قرار هدي وصفي بمد العرض لمدة شهر نظرا للإقبال الجماهيري، جرح كبرياء الحركة الثقافية، لأنه جاء بناء علي الاحتجاج الصهيوني الذي بدا وكأنه أمر فوري واجب التنفيذ، مما دفع الوزير دفعا لأن يبتلع في لحظة تصريحاته عن انحيازه للحركة الثقافية في موقفها المبدئي من الصراع العربي الصهيوني، وألغي 'بمكالمة تليفونية' مؤسساته الثقافية كلها، التي وافقت علي العرض

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 5-2-2007

رؤيا - الفجر ليس ببعيد

بهدوء.. فضحت إسرائيل حكوماتنا العاجزة التابعة، فضحت إذاعاتنا التي لا تكف عن إذاعة أناشيد 'السلام المرواغ' وكشفت عورات دعاة 'ثقافة السلام' ومدمني الحوار مع الآخر.. القت التراب علانية علي مشايخ الفضائيات المتخصصين في بحث إمكانية زواج الإنس بالجن،

وصفعت مروجي 'العسل المغشوش' لعلاج السرطان والكبد والفشل الكلوي، غرست أصابعها في أعين تجار 'القوت' وبائعي الأغذية الفاسدة، ومستوردي الأوبئة والسرطان نزعت عن 'تجار الكويز' ورقة التوت، وتركتهم وسط بضاعتهم المشبوهة عرايا، نعم فضحتهم إسرائيل جميعا.. كما فضحت شعراءنا المتنازعين علي 'منصة' لإلقاء شعر لا شعر فيه، ومفكرينا الذين كفوا عن التفكير، وعلماءنا الذين انتهت علاقاتهم بالعلم، وفنانينا الذين حولوا الفن إلي سلعة احتكارية توقظ الغرائز، وتتاجر بالأجساد وتنشر 'التأوهات'

أثبتت بهدوء، أن حكوماتنا العاجزة أخرجت الأمة من التاريخ والجغرافيا معا.. ولأنها تعرف ذلك كله.. عرضت في قناة التليفزيون الرسمية التي تملكها الدولة العبرية فيلما موثقا يؤكد أن 'عصاباتها' قتلت أسرانا، أذاعت ذلك، ولم يهتز لها جفن لأنها ببساطة تعرف أن الفضائيات ستنصت قليلا، وأن بعض المظاهرات ستخرج هنا وهناك وأن الصقور العرب سيطالبون الحكومات العربية الضعيفة بما لا تقدر عليه.. وأن كل شيء سيخفت تدريجيا، وسيدخل أدراج وزارات الخارجية، وأرشيف الصحف، تماما كما حدث عام 1995 .. وسيخرج متحدث رسمي من الخارجية الصهيونية، وآخر من الخارجية المصرية،

وسيؤكدان أن تحقيقا يجري لمحاسبة المسئولين.. وسيوضع ذلك التحقيق بجوار شقيقه السابق في الأدراج، وسيعود مشايخ الفضائيات لموضوع زواج الإنس بالجن، وسيستمر دجالون الطب البديل في ترويج منتجاتهم المغشوشة، وسيواصل أهل 'الكويز' تجارتهم الحرام، وستستمر التأوهات الإباحية في الفضائيات، وستعزف الإذاعات العربية أناشيد السلام المراوغ بحماس

لكن ما لم تحسب حسابه إسرائيل، أن نار الثأر لن تخمد في نفوس البسطاء الذين سرقوا وقتل أبناؤهم وآباؤهم، ستظل تعتمل في الأفئدة حتي تشتعل..

وأنهم حتما سيخرجون من القري والنجوع حاملين فئوسهم ومعاولهم وأسلحتهم.. وسيطهرون الوطن من الخانعين

التابعين، وسيحررون الأرض العربية من المذلة والهوان.. وسترفرف أعلام الكرامة علي فلسطين من النهر إلي البحر.حتما سيخرجون.. فالفجر القادم قادم، والغد النبيل ليس ببعيد



بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 19-3-2007

الجيزة محافظة منكوبة


لماذا تنعم أغلب محافظات مصر بشوارع نظيفة وانضباط مروري، وسيطرة نسبية علي المخالفين والفوضويين والبلطجية، بينما تظل الجيزة أقدم مدينة في التاريخ نهبا للفوضي والقذارة والقبح وانهيار البنية الأساسية وسيطرة البلطجية، وتجار البانجو ومافيا نقل الركاب: دون رادع، أو ضابط

فالمواقف العشوائية تنتشر في ميادينها كافة جهارا نهارا دون أي تدخل من شرطة المرور التي يكتفي مندوبوها بكلمة واحدة 'ياللا يا بني خلص وإركن قدام' وكأن هذه 'العبارة السحرية' هي العقاب الرادع للمخالفات المرورية التي تؤدي إلي عرقلة المرور، وازدياد التكدس خاصة في أوقات الذروة،

ناهيك عن آلاف السيارات المخالفة غير المرخصة التي تفرض أجرا مرتفعا في حين أنها غير صالحة للاستخدام البشري مثل سيارات نصف النقل المظللة بالخيش والبلاستيك التي 'تشحن' الناس 'كالزكائب' وتعمل علي خطوط العمرانية وبولاق وعزبة فكيهة وأرض اللواء وضواحي إمبابة وغيرها لن اتحدث هنا عن مصيبة 'التوك توك' فلها حوار خاص

وإذا تركت مافيا الميكروباص وجبروتهم وقعت في أيدي بلطجية الأرصفة، حيث أصبحت أرصفة الجيزة 'عيانا بيانا' ملك نوعية من الباعة الجائلين الذين يدفعون الناس دفعا للسير في نهر الطريق تطاردهم شرطة البلدية احيانا، وأحيانا كثيرة تتركهم يمارسون البلطجة علي خلق الله ليبيعوا مصنوعات غير مطابقة للمواصفات ومواد غذائية منتهية الصلاحية وغير خاضعة لإشراف أي جهة صحية..

هذا بالإضافة إلي بلطجة أصحاب المحلات الذين يفرشون بضاعتهم خارج المحلات، علي الأرصفة التي أقاموا عليها سدودا خرسانية دون أن يحاسبهم أحد وهذا كله 'كوم' وانتشار جبال 'الزبالة' في شوارع الجيزة الداخلية والخارجية القديمة والجديدة علي السواء 'كوم' آخر، ورغم الهجوم الضاري الذي تشنه الصحافة علي 'زبالة الجيزة' صنع المسئولون في الحكم المحلي ودنا من طين وودنا من عجين، وأخرجوا لسانهم للجميع، مرددين في سرهم عبارتهم الأثيرة 'موتوا بغيظكم لن نزيل الزبالة'!


ويظل المواطن البسيط يدفع علي فاتورة الكهرباء رسوم النظافة، ويدفع 'للزبال أبو قفة' أجرته، وتبقي جبال 'الزبالة' تسخر من الجميع!!أخطر ظاهرة في شوارع الجيزة وحواريها هي انتشار تجارة 'البانجو' وتدخينه علانية علي النواصي، وفي سيارات الميكروباص، بل وعلي بعض المقاهي،

ولقد استغل تجار البانجو في الجيزة ظاهرة البطالة، ورفعوا شعارا جذابا للانتشار بين الشباب الشعار يقول 'خد مزاجك ووزع' أي أن الشاب عليه أن يوزع كمية متفقا عليها ليأخذ أجره 'عينيا' وهو بالطبع كمية بانجو مناسبة مجانية لزوم المزاج، أما إذا زاد التوزيع عن النسبة إياها، فهو يأخذ بالإضافة إلي 'مزاجه' أجرا نقديا ملائما يكفي كارت الموبايل،. والجلوس مساء علي بعض 'الكوفي شوبات' المليئة بفتيات ينتظرن من يدفع لهن ثمن كارت الموبايل، وحساب الكوفي شوب، وأجرة تاكسي العودة إلي البيت، شباب ضائع يائس لا يري أي بارقة أمل في أي مستقبل قريب أو بعيد يلعب به تجار 'البانجو' علانية، ومن خلال شبكات عنكبوتية دون أن يردعهم أحد..

هذا في ظل انتشار ظواهر 'العنف' المأجور الذي تخصص فيه بعض الشباب الذين يستأجرون لمعارك تصفية الحسابات بين التجار بمختلف أصنافهم، والتي تستخدم فيها الأسلحة البيضاء ولا تتدخل فيها الشرطة لأن 'أحدا لم يبلغ'

ولن اتحدث هنا عن التحرش بالفتيات، أمام مدارس البنات الثانوية الذي يصل إلي حد خدش الحياء العام، والتحرش الفعلي بالأيدي وليس بالألفاظ في كثير من الشوارع الجانبية في الهرم وفيصل والجيزة القديمة، نكبة النكبات في الجيزة تتركز هذه الأيام في انفلات الأسعار، فالسلعة الواحدة تباع بأكثر من سعر، وأصبح مستوي الخبز الفينو والبلدي في أردأ مستوياته، بعد أن رفعت الدولة يدها عن الخبز وأصبح الرغيف يباع بأضعاف سعره أمام الجميع، وعلي كل الأرصفة دون أن يتحرك أحد..

متي تتوقف هموم الجيزاوية؟ أم انها ستظل محافظة منكوبة إلي الأبد؟


بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 22-1-2007


رؤيا - كنخل العراق


لم أحب صدام يوما، بل لقد اختلفت علانية مع أفكاره وسياساته، وفي الوقت الذي كان معارضو الآن يزحفون لنيل رضا بغداد، كنا أنا وكثيرين غيري ننتقد الحرب ضد إيران، والاعتقالات بدون محاكمة وإعدام الخصوم، وعندما حوصر العراق كنا نذهب للتضامن مع إخواننا من شعب العراق كاسرين الحصار وكنا نعلنها واضحة:، جئنا لنتضامن مع 'شعب
العراق' مع تحفظاتنا واختلافاتنا مع 'النظام الحاكم

لكن الأمور تبدلت، وتغيرت، فمهما اختلفنا مع صدام وحزبه، فلن نختلف أبدا حول صموده وبسالته، فلقد وقف الرجل يحارب هو وجيشه أقوي قوتين في العالم منفردا ولقد قدم جيش العراق العربي العديد من البطولات التي تشرف الأمة العربية كلها، ولسوف يكشف التاريخ مستقبلا عن حقائق مذهلة وبطولات عملاقة في هذه الحرب.فلقد ظلت القوات الأمريكية والبريطانية طوال الحرب وحتي نهايتها عاجزة ان تدخل قرية 'أم القصر' بل لم تستطع القوات الأمريكية أن تدخل بغداد نفسها إلا بالخيانة والتآمر مع عملاء أعدتهم بعناية طوال سنوت وسنوات،

ولم يستسلم 'صدام' لم 'يهرب' إلي خارج البلاد، ورغم العروض العديدة التي تؤمن حياته وأسرته، وظل يشرف بنفسه علي أعمال المقاومة شهورا وشهورا بين قري وبساتين وجبال وسهول العراق، وظل بين جنوده وشعبه حتي ألقوا القبض عليه، ووقف في جلسات المحكمة 'العميلة' ثابتا وقويا .. يهاجم المحتلين والعملاء ويفضحهم عبر وسائل الإعلام العالمية، وحول بذكاء جلسات المحاكمة إلي مؤتمرات صحفية، ومحاكمة للمحتل وعملائه،

ورغم عشرات الجلسات والمفاوضات التي تمت سرا في محبسه رفض رفضا باتا كل العروض التي تؤمن سلامته نظير إيقاف المقاومة، ولما فشلت كافة الإغراءات، قرر المحتل أن ينفذ فيه حكم الإعدام بطريقة مهينة للأمة العربية والإسلامية كلها، اختاروا فجر عيد الأضحي، ليقدموه كأضحية علي عتبات البيت الأبيض، محذرين بإعدامه الحكام العرب والمسلمين من أي 'نزعة تمرد'.لكن صدام فوت عليهم الفرصة، وهزمهم، وحول حفل الإهانة' إلي 'حفل للصمود والكبرياء' فلقد مضي إلي المشنقة ثابت الجنان حاملا مصحفه بيمينه مرددا الشهادتين، لاعنا الاحتلال وعملاءه ووقف في إباء وشمم رافضا أن يغطوا وجهه مواجها الموت بقلب ثابت ..

ليعيد إلي الأذهان صورة استشهاد 'عمر المختار'.وظل أمام العالم أقوي من جلاديه، وليتحول رغم أنف العملاء إلي رمز للمقاومة والصمود والبسالة والكبرياء ..

اختلف مع صدام كما تشاء، وأرفض سياساته كما يحلو لك، ولكن لابد أن تقف احتراما وإجلالا لموقفه البطل الشجاع الأبي، هذا الموقف الذي أري أنه أزال قليلا من الإحساس بالمهانة الذي أرادت ان تبثه أمريكا في قلوب العرب والمسلمين.ان صمود صدام في المعركة، وإصراره علي البقاء في العراق ليقاتل، ومواجهته للموت بهذه البسالة .. يرعب العدو، ويهينه، ويفضحه ..

لقد محا صدام بصموده البطل الإهانة التي أراد المحتل أن يوجهها إلي الأمة، وأكد للجميع أن الشرف كل الشرف، في أن تموت واقفا شجاعا أمام العدو الجبان.رحل صدام ثابتا شجاعا قويا .. وشامخا كنخل العراق .. فقفوا إجلالا واحتراما لهذه الشجاعة وتلك القوة .. وثقوا بأن نخل العراق لن ينحني، وان غدا لناظره قريب

بقلم أسامة عفيفى
جريدة الإسبوع - 8 / 1 / 2007