Sunday, July 29, 2012

من الذى سرق زهرة الخشخاش ؟


كشفت عملية سرقة لوحة زهرة الخشخاش مدى إستشراء الاهمال والتسيب والمظهرية التى تعانى منها مؤسسات وزارة الثقافة وكشفت التحقيقات التى قام بها النائب العام شخصيا مدى فى إدارات المتاحف المنوط بها الحفاظ على ثروات الوطن الفنية ...أخطر ما كشفت عنه زهرة الخشخاش هو تفرغ أغلب القيادات للظهور فى وسائل الإعلام وشاشات الفضائيات متحدثين عن الإنجازات المسبوقة عبر ثقافة التى تحقق نظرية ثقافة الصهللة الشكلانية - بينما السوس ينخر فى البنية التحتية والعنكبوت ينسج خيوطه عليها - وراء الديكور البراق ..مؤكدين للمواطن الغلبان .. انهم يخططون وفق أحداث النظم العلمية لتقديم أفضل خدمة ثقافية!!!! والحقيقة انهم لا هم لهم الا التشبث بالكرسى حتى آخر رمق ... وإخفاء عورات المؤسسة عن الاعين خلف ديكور المهرجانات البراق.

لقد فضح «سارق» زهرة الخشخاش «المؤسسة الثقافية» وعري بؤسها وركاكتها، وأسقط من علي وجهها الأقنعة، وعراها حتي من ورقة التوت.. ولكن من هو هذا السارق؟! ولماذا سرقها؟! ولماذا سرق زهرة الخشخاش بالذات رغم أن بالمتحف لوحات أهم وأغلي سعراً؟! السؤال الأهم لماذا سرق «السارق» لوحة لن يستطيع بيعها. فمبجرد سرقتها علمت متاحف وصالات المزادات بالعالم بالسرقة، ولن يقتنيها أي هاوِ للفنون، لأنه ببساطة لن يستطيع عرضها في العلن، وستظل مخفية إلي الأبد، لأن ظهورها حتي لو بعد مائة عام يعني إعادتها إلي مصر!! فلماذا إذن سُرقت زهرة الخشخاش؟!

المؤكد أن «السارق» سرقها لهدف آخر غير بيعها؟! لذا لابد أن تكون اللوحة مشهورة، خاصة وأنها سرقت من قبل، وعادت في إطار تسوية سياسية أمنية مع الدولة التي كانت موجودة بها اللوحة، بل إن الناس شهدوا فيلماً مصرياً قام بناؤه الدرامي علي سرقة نفس اللوحة، وصورت أحداثه في نفس المتحف.. أي أن اللوحة سرقت لشهرتها، وليس لقيمتها الفنية أو المادية- خاصة أنها لن تباع- فلماذا إذن سرقت؟! يتردد في الأوساط الثقافية الآن- وهذا الكلام ليس من قبيل الشائعات، أن صراعاً محتدماً يزداد بين وزراء الحرس القديم، ونجوم الحزب الجدد، وأن عددًا من نجوم رجال الأعمال المتحكمين في الحزب لا يريدون استمرار فاروق حسني وزيراً للثقافة، وسبق أن مولوا حملات إعلامية ضده في مناسبات عديدة، ويري أصحاب هذا الرأي أن بعض الكبار أراد فضح «سياسات فاروق حسني» وإقصاءه فتم التخطيط بدقة بمساعدة بعض موظفي المتحف لسرقة اللوحة.. وإخراج وزير الثقافة بفضيحة «عالمية» مدوية.. أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن العملية محلية.. في إطار حرب تكسير العظام بين الكبار في الحزب وإلا لماذا يسرق «سارق» لوحة لن يستطيع بيعها؟! وبالتالي يرون أن محسن شعلان سيذهب ضحية صراع الكبار!! فهل ستذهب أيضاً كنوزنا الفنية ضحية هذا الصراع؟!


البعض الآخر يري أن العملية «عالمية» رتبتها «المافيا» لصالح التيارات «المتطرفة العنصرية» في هولندا، والتي تتنامي بقوة وتدعو علانية لطرد العرب «الهولنديين» من البلاد، بل وتطالب بإغلاق باب الجنسية أمام المسلمين بشكل عام، ويقول أصحاب هذا الرأي، وأغلبهم يعيش في أوروبا ويعانون من «العنصرية الجديدة» في فرنسا والدنمارك وهولندا وسويسرا، أن عملية السرقة تقوم علي مفهوم استرداد المقتنيات الهولندية من «العرب» لأنهم لا يستحقونها ولا يعرفون كيفية الحفاظ عليها.. أي أن عملية سرقة «زهرة الخشخاش» عملية عقابية عنصرية محضة.. لأن اللوحة لن تباع ولن يجرؤ سارقها علي عرضها للبيع..


أياً كان سبب السرقة؟! فالثابت أن المتحف لم يكن مؤمناً «إلكترونياً- وبشرياً» ضد السرقة شأنه شأن جميع المتاحف التابعة لوزارة الثقافة، وهو الأمر الذي كشفناه مراراً وتكراراً علي صفحات «صوت العرب» و«الموقف العربي»، وكشفه زملاء لنا في صحف عديدة، ولم نتلق من المسئولين غير دفاعات هزيلة، واتهامات كثيرة بأننا مغرضون وهدامون، ولا نري إلا الجانب الأسود من انجازاتهم «العظيمة». وعندما أقول «جميع المتاحف» فأنا أعني ما أقول.. فالكل يذكر سرقة القطع الأثرية النادرة من «المتحف المصري» عبر عمال الصيانة والتي سرعان ما ابتلعتها «الآلة الإعلامية» الضخمة التي تمتلكها وزارة الثقافة.. ثم تلتها سرقة لوحات قصر محمد علي والتي عادت بطريقة «غريبة مشكوك فيها» بل جميعنا يذكر سرقة لوحات حامد ندا من الأوبرا وكيف أعادها الشاري بعد أن اكتشف أنها مسروقة رغم أنها كانت خارج البلاد، ولكن لأنه مصري نبيل كشف عن شرائه لها.. وتحمل القيل والقال وأعادها إلي مكانها.. ورغم موقفه المحترم فإن كاتب هذه السطور نبه أيامها إلي انهيار نظام التأمين الإلكتروني والبشري بل لقد انفردت «الموقف العربي» أيامها بأن الأوبرا لا تملك «صوراً» ولا أرشيفاً للوحاتها ومقتنياتها المهمة!!!


بقلم  أسامة عفيفى
جريدة الموقف العربى - القاهرة 31 أغسطس 2010





كذلك مازال مصير «40» لوحة من مقتنيات متحف الفن الحديث أعيرت في السبعينات لمستشفي العجوزة «مجهولاً» ورغم أن كاتب هذه السطور قدم قائمة بأسماء اللوحات وصورة من تحقيقات النيابة الادارية بشأن «فقدانها» إلي إدارة قطاع الفنون التشيكلية لكن لا علم لنا حتي الآن بمصير هذه التحقيقات أو اللوحات!! ومازال مصير لوحة إنسان السد العالي للجزار غامضًا حتي كتابة هذه السطور هذا كله وغيره كثير كان معروفًا لدينا.. ولدي الرأي العام الثقافي ونبهنا ونبه غيرنا لخطورته لكن سرقة زهرة الخشخاش كشفته وسلطت الضوء عليه، وفضحت الركاكة والفساد والمظهرية الكاذبة لأداء كثير من قيادات وزارة الثقافة..





الأمر المثير الذي انفردت به «الموقف العربي» العدد الماضي، هو إلغاء التعامل مع شركة الصيانة التي كانت تقوم بإصلاح الأعطال بالأمر المباشر حين حدوثها، لقد قيل إن السبب هو أنها تتقاضي أموالاً طائلة في حين أن هذه الشركة تقاضت حوالي 135 ألف جنيه فقط في عملية اصلاح نظام التأمين الالكتروني لمتحف محمود خليل عام 2004 وكانت تقوم بإصلاح الأعطال عند حدوثها «بالأمر المباشر» وهي من صلاحيات رئيس القطاع ولا تحتاج إلي صلاحيات الوزير التي كانت ممنوحة له!! فلماذا إذن توقف التعامل مع هذه الشركة ولماذا لم يدرج تطوير متحف محمد محمود خليل » في موازنات القطاع لمدة 4 سنوات كما جاء في أقوال السيدة ألفت الجندي رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية أمام النيابة، بل إن المفاجأة الكبري التي فجرتها السيدة ألفت، أن القطاع تلقي 40 مليونا لتطوير وانشاء المتاحف صرفت بالكامل علي متحفي «سراي الجزيرة» وحسين صبحي بالاسكندرية ولم يخصص مليمًا واحدًا لمتحف محمود خليل رغم حاجته الماسة لتطوير وإصلاح نظام الأمن الالكتروني..





جاء أيضًا في أقوال السيدة ألفت أن «مليونًا» من الجنيهات صرفت علي تطوير مكاتب إدارية لأحد المتاحف ولما اعترضت لدي رئيس القطاع وقالت له إن متحف محمود خليل أولي أمرها بتنفيذ الصرف لصالح المكاتب الإدارية!! لسنا جهة اتهام، فالأمر بين يدي النيابة العامة ولكننا نقرأ الأحداث، ولا نتهم أحدًا ونحاول أن نكشف للقارئ ما انكشف بسرقة زهرة الخشخاش.. والحقيقة أنه كثير..بل وكثير جدًا.. الخطير هو عدم تأهيل العنصر البشري لحماية تراثنا وكنوزنا الفنية، وهو العنصر الأساسي سواء كان التأمين الالكتروني موجودًا أم غير موجود فلو أن حارسًا واحدًا كان موجودًا بجوار اللوحة، ما سرقت، ولو كان نظام تفتيش الزائرين موجودًا ما حدث ما حدث، فضلاً عن قلة الحراس، وعدم كفاءة أغلبهم وجهلهم بما يحرسون وأهميته.





السؤال الأهم هو لماذا شيدنا هذه المتاحف؟! ولماذا ندفع فيها من أموال دافعي الضرائب الملايين؟! إن نظرة عابرة علي عدد زوار أي متحف منهم باستثناء المتحف المصري والقبطي سنكتشف أنه لا يتجاوز عدد أصابع اليدين أين إدارات «الثقافة المتحفية» ودورها في تنشيط الزيارات المتحفية، أين رحلات المدارس والجامعات والجمعيات الأهلية، ماذا فعل قطاع الفنون التشكيلية للترويج لمتاحفه ومقتنياتها المهمة؟! فلو كان بالمتحف جمهور وزائرون ما سرقت اللوحة، فضلاً عن أن كثيرا من مواطني هذا البلد الطيب لم يعرفوا أن مصر تمتلك لوحة زهرة الخشخاش إلا بعد أن أعلن عن سرقتها!!





والسبب الوحيد هو أن المؤسسة الثقافية الرسمية لا تهتم إلا بالبروبوجاندا والاحتفاليات، ولا تهتم بالمعرض ولا ذاكرة الوطن المهم أن يتسلم موظف العهدة محتويات المتحف صباحًا ويسلمها للأمن المسائي «علي الورق» سليمة كاملة!! المتاحف هي ذاكرة الشعوب الثقافية، ودورها أهم من دور المدرسة بل مكمل لها وأذكر أن مدرِّسة التاريخ كانت هي التي تصحبنا في رحلات المدرسة إلي المتاحف «المصري والقبطي والاسلامي» لتشرح لنا ما نراه، هذا الدور غاب ومازال غائبًا، فتحولت المتاحف إلي مخازن عهدة، وأهملت فسرقت.. إن المسئول الأول والأخير عن سرقة زهرة الخشخاش هو منظومة السياسات الثقافية المظهرية» التي أخفت عورات المؤسسة خلف «ديكوات براقة زائفة» القضية الآن ليست «زهرة الخشخاش» وسارقها وهدفه وهويته كما أنها ليست قضية المسئول الاداري الذي سيحاسب جنائيا.. ولكنها قضية مستقبل هذه السياسات العقيمة التي تقف حائلاً دون تقدمنا الثقافي وتدمر كنوزنا الثقافية الواحدة بعد الأخري فهل نقف في وجه هذه السياسات؟! أتمني

No comments:

Post a Comment