Sunday, July 29, 2012

من اللغوي الي البصري .... الشهاوي يضع الشطة في علبة السكر بالمعرض العام


وضع القلم جانبا .. و امسك بالفرشاه و راح يلعب .. او يلهو .. او يتامل السطح الابيض محاولا ان يرسم ملامح قصيدة مستحيله ، او مغايرة ؛ قصيدة مرئيه منطلقه و منعتقه من اسر " الدلالات " و " سطوة " المنطقية اللغويه الصارمه .



فمهما حاول الشاعر ان " ينعتق " من اسر " الدلاله " اللغوية ، يظل اسيرا للقالب " الارسطي " لفلسفة اللغة و منطقها " الصوري " ، " الميكانيكي " المتراتب عبر تاريخ اللغة .. فتظل قصيدته ايا كان تمردها او رعونتها محاصرة و مسجونه باسوار الدلالة التاريخية للغه .. فتتضاءل امام القصيدة امكانيات التأويل مهما برع الشاعر و مهما ابتكر ، اما اللوحة فما زالت ابواب تأويلها مفتوحة علي مصاريعها بل و تظل تمارس "غواية " التأويل المنفلت و الارعن بدون حدود ..



ربما كان هذا هو السبب الذي ألجأ الشهاوي لرسم النص الشعري ، و تجسيده بصريا او لكتابه قصيدة بصرية ملونه .. ليستريح و لو قليلا من التأويل " المتربص " !!! او ربما هو نوع من الرغبة في الانعتاق من اسر " الجاذبية اللغوية " التي تقيد رغبته في التحليق ، و تربطه دائما بأرض اللغة المحاطه بمتاريس " التربص " السلطوي و البوليسي و الايديولوجي و الكهنوتي ....



هل هو الرغبة في اللعب ، و اطلاق الطفل الكامن الذي قمعته المكاتب ، و الحريه المدجنه في الصحف ، و منصات المهرجانات الرسمية و تحذيرات الاباء و الامهات من " اللعب في الطين " و ارتداء الوقار المجاني ، و وضع اقنعة الطيبة المؤدبه حسب شروط الطبقة الوسطي ؟!!



اعتقد انها قبل ذلك و بعده ، رغبه دفينه في كسر القوالب و القواعد ، او بتعبير ادق " قلب المنضده " او هو اجابه علي سؤال ارعن .. " لماذا دائما نضع السكر في علبة السكر ، و الشطة في علبة الشطة " ؟!

لماذا لا نضع الشطة في علبة السكر لتلسع لسان من يتذوقعها متوقعا طعما سكريا افتراضيا يتم تذوقه ذهنيا بشكل مسبق ؟! هل هو محاوله لصدم الذهنية المسبقة ؟!



ام هو ذلك كله مجتمع في هذه الخطوه " العشرية " نسبة الي اللوحات العشرة المعروضة في المعرض العام "، هذه الخطوه " الانتحاريه " المفخخة المحاطه بالمخاطر حيث سيري تشكيليون محترفون انهم احق بالمساحة التي احتلتها لوحات الشهاوي ، و يري معارضو المؤسسة الثقافية الرسمية ـ من امثالي ـ انها مجرد مجامله من قومسيير المعرض الذي هو صديق قديم بالاضافة الي كونه " بلديات " الشهاوي . او ربما يصفها اعضاء رابطة كارهي احمد الشهاوي ، علي انها نتيجة لشبكة علاقاته العنكبوتيه .. بعيدا عن التأويلات الخبيثة ما علاقة ذلك كله بوضع الشطة في علبة السكر ؟!



الحقيقة انني لم اجب علي سؤال اهم : هل من حق الشهاوي ان يرسم و يعلن عن نفسه كرسام فجأة و بدون سوابق ،، و تحتل رسوماته جدران المعرض العام ككبار الرساميين ؟!



الحقيقة انه لا توجد " صحيفة سوابق " او " فيش و تشبيه " في الابداع ، فالابداع حق دستوري مكفول لاي مواطن .. بشرط ان يكون " ابداعا " يعي موقعه من تاريخ الابداع الانساني ، و موقعه من قيم المجتمع العليا ثقافيا و روحيا و وطنيا . حتي و ان " خمش " السائد فهو " يخمشه " من موقع الانتماء ، لا من موقع التعالي او الانتماء لاجندات ثقافات اخري ، اما عن مشروعيه ما قام به الشهاوي " ابداعيا " فلقد سبقه كثيرون عبر تاريخ الابداع الانساني و العربي فلقد كان دافنشي مهندسا و مخترعا و شاعرا و رساما و كان ابن سينا خطاطا و طبيبا و شاعرا و فيلسوفا و في العصر الحديث كان بيكاسو شاعرا و مسرحيا فضلا عن كونه فنانا مؤسسا للحداثة .. و لقد علق علي ذلك في مذكراته بقوله : " اعتقد ان انتاجي كاتبا سيوازي في اتساعه و اهميته انتاجي كفنان تشكيلي ..



في الواقع انا اكرس الوقت نفسه تقريبا للكتابه و الفن ، وفي احد الايام و بعد ان اكون قد غادرت هذه الدنيا سيصدر ربما في الموسوعات و القواميس التعريف التالي : بابلو بيكاسو شاعر و كاتب مسرحي اسباني "!!!! كذلك كان نزار قباني يرسم قصائده و اغلفة دواوينه و ايضا مظفر النواب ، و صلاح جاهين و مجدي نجيب فضلا عن تجربة بيكار الشعريه الهامه ، و تجربة احمد مرسي في الشعر و الرسم ، و كذلك تجربة ادوارد الخراط ، هناك شعراء رسامون كثيرون اهمهم جبران خليل جبران ، و يعيش بيننا كثير من الرسامين الشعراء كماجد يوسف ، و سليم بركات ، و عباس بيضون و ادونيس ، و فوزي كريم ، و نزيه ابو عفش ...



حتي وليام بيليك كان شاعرا مهما و يري الكثير من النقاد ان اشعاره اهم من لوحاته و قد يتساءل سائل ، لكن الشهاوي لم يكن معروفا من قبل " كرسام " و انه فجأة ـ و " علي كبر " ـ قفز بلوحاته الي جدران المعرض العام لعرضها و ينافس بها الفناين " الغلابة " في عقر دارهم فهل لعلاقته المتشعبة دور في هذا الاكتشاف المفاجئ ؟!


اعتقد انني اجبت عن هذا السؤال ان لم تخني الذاكرة ، فليس في الابداع " صحيفة سوابق " او " فيش و تشبيه " بشرط واحد ان يكون ابداعا ، اما احتلاله لجدار من جدران المعرض العام ... فأنا اري ان من حق اي شاعر او مسرحي او موسيقي .. و ليس احمد الشهاوي فقط ان يقدم اي معالجه تشكيلية او فنيه غير ابداعه الذي اشتهر به .. و لابد ان تحتفي به و بتجربته المؤسسة الثقافية الرسمية لان في ذلك اثراء للحركة الثقافية و النقدية.. فلسوف تطرح مثل هذه التجارب اسئلة غير تقليدية علي مائدة " النقد الكسول " بعضها سيدور حول تراسل الفنون ،و بعضها عن " مخيلة الشاعر " و " مخيله التشكيلي " و بعضها الثالث حول " علم النفس الابداعي " و الجدل بين عقلية الاديب و عقلية الفنان ، خاصة وان الشاعر هو في الحقيقة " مصور " يغوص في اعماق الكون ليرسم صورة " ذهنية " باللغة و المعروف ان كثيرا من الرسامين حولوا الصور الجمالية في الشعر من " نص لغوي " الي " نص بصري " و العكس بالعكس .



فلقد كتب شعراء كبار عن اعمالا فنية اعادوا انتاج جمالياتها من خلال جماليات اللغة ..



المهم في التجربة هو الي اي حد تبدي اللغوي في البصري ، و الي اي حد خاطب الشاعر بلوحته " عيون المتلقي " بلغة الشكل ، اعتقد ان التجربة مشروعه ، و مهمة لانها تطرح كثيرا من علامات الاستفهام و ستطرح العديد من القضايا الجماليه التي ستنشط البحث النقدي ، بل اري انها تجربة " شجاعة " من الشهاوي نفسه ، و من قومسيير المعرض الذي يعي في اعتقادي اهمية ان يرسم شاعر و يضع تجربته تحت الضوء لتناقشها الحركة الثقافية و النقدية...



هل استطعت ان ارتب المشهد ؟!

و هل تمكنت من الهروب المنظم من الادلاء برأي في تصنيف ما جاء به الشهاوي و تثمينه ... ام انني وضعت شأني شأن الشهاوي ـ الشطة في علبة السكر ؟!!!



الحقيقة انني من الذين يرون ان دور " النقد " ليس تقييم او تقوييم او تثمين الفن او الحكم عليه ، انما اري ان الدور الحقيقي للنقد او الكتابة في و عن الفن هو دور " معرفي ـ تحليلي " فأهم ما ينبغي ان يقوم به الناقد او الكاتب الفني هو وصف و تحليل تجربة المبدع و وضعها في سياقها المعرفي فنيا و مجتمعيا و ثقافيا ، و الوصف لابد ان يتضمن المعرفي ، و التحليل يتطلب قدرة عالية من الكاتب علي تفكيك المشهد البصري او تفكيك " الصورة " الي ابسط وحداتها التكوينية تصميما و لونيا ، و من خلال هذه الوصفية التحليلية سيمتلك المشاهد ابجديات العمل المعرفية ، و يضع يديه علي قوانين و مفاتيح العمل فيتقن اللعبة فيعيد ـ هو الاخر ـ تفكيكه كيفما شاء ليفتح ابواب التذوق التأويلي غير المحدود فتكتمل دائرة الابداع ( المبدع – العمل الفني – المتلقي ) و هذا هو الدور الحقيقي للكتابة عن و حول الابداع بشكل عام .



و الشهاوي في لوحاته العشره يدخل الي عالمه من بوابه " التعبيرية التجريديه " تلك اللمدرسة التي تعطي للون دور البطوله في التعبير بحيث تعبر حركة الفرشاه علي السطح عن قيم تجريدية عليا من خلال " تشكل اللون " تبدو و كأنها تلقائية .. و لابد ان تشعر المتلقي بتلقائيتها البكر و روعونتها غير المحسوبه ، و كأنها نتيجة انكساب لوني علي السطح شكل شكله بتلقائية و عفويه هنا تتدخل " الحرفة " لوضع التكوين في حاله تصميمه تحقق التوازن الجميل ، و لا تفقده بكارة الرعونه التلقائية اي ان اللعبة ليست مجرد " سكب " الالوان علي السطح الابيض فتشكل اللوحة نفسها كما يدعي البعض ، و لكن " اللعبة " تكمن في قدرة الفنان " تصميما " علي اقناعك بذلك . و قدرته علي كبح جماح الانكساب العفوي او حركة الفرشاه الرعناء بطريقة تبدو عفويه و اكثر رعونه فيخرج المنتج الجمالي ذا بناء معماري واضح المعالم روحيا و بصريا ..


و تكتشف انه يمتلك ابجديته الخاصة التي تتطلب تحررا من الافكار المسبقة عن البناء الدرامي الارسطي للوحة .. و تقدم للمشاهد طرقا اخري للتذوق تبتعد به عن " البحث عن المعني " وراء الشكل ، لتفتح له افاق التأويل البصري الذي يحرر الخيال من اسر " القوالب الجاهزه " فيشارك " البصر " و " المخيله " في صنع تأويلات متعددة المستويات كلما نظرنا الي العمل ، ليس فقط باختلاف المشاهدين ، بل باختلاف مرات المشاهدة للمشاهد الواحد .



و لان الشهاوي يمخر في بحار الصوفية و تجلياتها " شعرا و نثرا " فلقد حاول ان يبحر عبر هذه العشريه ـ عبر اللون الاسود بالتحديد و هو لون " ال البيت من احفاد الرسول الكريم " اقول حاول ان يبحر عبر هذه العشرية في عالم " الرؤيا " بصريا و يترجم ما ذاقه و امتلأ به قلبه بصريا ايضا اي عبر ما راه و تذوقه في رحلته الوجدانيه باللون و تحتاج هذه التجربة الي " تأمل صافي " لتكتشف كمتلق رويدا رويدا " رؤياك " انت ... اذا ما جاهدت نفسك ، و خلصتها من قوانين الجاذبية .. فكرا و ذوقا و روحا .


و دليلي علي ذلك هو الرموز الحروفية التي تظهر في قلب التكوين السابح دائما ـ بتلقائيه في " الفراغ الابيض " الذي يشكل في هذه الحالة " العماء " او " اللاوجود " ليركز المشاهد علي " بؤرة الرؤيا " اللونية التي تتشكل من داخلها حروفا و اهله ، و اقمارا و افلاكا و احجبه و تعاويذ سحرية بعضها يظهر واضحا جليا و بعضها يغيب و يتبدد ، و بعضها الثالث يتشكل في حركة دائرية دائبه الحراك الي الاعلي دائما لتربط بين النسبي و المطلق ، بين الواقعي و المتخيل بين السماء و الارض بين المادة و الروح ، بين الظلام و النور ، ذك الظلام الاسود الذي يبدو داكنا لكنه يسطع بنوره من داخله فالظلمه عند الشهاوي تلد نورا و المادي يلد الروحانية و المطلق ينتج النسبي في وحدة ( ديالكتيكية ) واحدة تمثل الوجود المحاط بالنور او المغمور في النور و هذا ـ


في اعتقادي ـ سر الرسم في منتصف الابيض دائما .. ذلك الابيض الازلي الذي يشع نورا و يضع التكوين في قلب " التجلي " التجربة تحتاج الي كثير و الكثير من التأمل ،،،،،،،ن و ما قلته هنا هو تأويل لتأملاتي لاعمال تتعدد تأويلاتها و لست اهدف من هذا التأويل سوي ان اضع " الشطة " في علبة السكر مثلما فعل الشهاوي ، فهل سيعجب الجمهور و النقاد بسكر الشهاوي " المشطشط " ؟

 بقلم اسامه عفيفي

18-9-2010

No comments:

Post a Comment